قد اكتفى من دنياه بطمريه (١) ، ومن طعمه بقرصيه ، ألا وإنّكم لا تقدرون على ذلك ، ولكن أعينونى بورع واجتهاد ، وعفّة وسداد (٢). فو اللّه ما كنزت من دنياكم تبرا ، ولا ادّخرت من غنائمها وفرا (٣) ولا أعددت لبالى ثوبى طمرا (٤). [ولا حزت من أرضها شبرا ، ولا أخذت منه إلاّ كقوت أتان دبرة ، ولهى فى عينى أوهى وأهون من عفصة مقرة] بلى؟ كانت فى أيدينا فدك من كلّ ما أظلّته السّماء ، فشحّت عليها نفوس قوم ، وسخت عنها نفوس قوم آخرين. ونعم الحكم اللّه! وما أصنع بفدك وغير فدك والنّفس مظانّها فى غد جدث (٥)؟ تنقطع فى ظلمته آثارها ، وتغيب أخبارها ، وحفرة لو
__________________
(١) الطمر ـ بالكسر ـ : الثوب الخلق
(٢) إن ورع الولاة وعفتهم يعين الخليفة على إصلاح شؤون الرعية
(٣) التبر ـ بكسر فسكون ـ : فتات الذهب والفضة قبل أن يصاغ ، والوفر : المال.
(٤) أى : ما كان يهيئ لنفسه طمرا آخر بدلا عن الثوب الذى يبلى ، بل كان ينتظر حتى يبلى ثم يعمل الطمر. والثوب هنا عبارة عن الطمرين ، فان مجموع الرداء والازار يعد ثوبا واحدا فبهما يكسو البدن لا بأحدهما.
(٥) فدك ـ بالتحريك ـ : قرية لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم ، كان صالح أهلها على النصف من نخيلها بعد خيبر ، وإجماع الشيعة على أنه كان أعطاها فاطمة رضى اللّه عنها قبل وفاته ، إلا أن أبا بكر ـ رضى اللّه عنه ـ ردها لبيت المال قائلا : «إنها كانت مالا فى يد النبى يحمل به الرجال ، وينفقه فى سبيل اللّه ، وأنا اليه كما كان عليه». والقوم الآخرون الذين سخت نفوسهم عنها هم بنو هاشم. والمظان : جمع مظنة وهو المكان الذى يظن فيه وجود الشىء ، وموضع النفس الذى يظن وجودها فيه فى غد جدث ـ بالتحريك ـ أى قبر :.