أأقنع من نفسى بأن يقال أمير المؤمنين ولا أشاركهم فى مكاره الدّهر؟ أو أكون أسوة لهم فى جشوبة العيش (١) ، فما خلقت ليشغلنى أكل الطّيّبات كالبهيمة المربوطة همّها علفها ، أو المرسلة شغلها تقمّمها (٢) تكترش من أعلافها ، وتلهو عمّا يراد بها ، أو أترك سدى وأهمل عابثا ، أو أجرّ حبل الضّلالة ، أو أعتسف طريق المتاهة (٣). وكأنّى بقائلكم يقول : «إذا كان هذا قوت ابن أبى طالب فقد قعد به الضّعف عن قتال الأقران ومنازلة الشّجعان»؟! ألا وإنّ الشّجرة البريّة أصلب عودا ، والرّوائع الخضرة أرقّ جلودا (٤) ، والنّباتات البدويّة أقوى وقودا (٥) وأبطأ خمودا! وأنا من رسول اللّه كالصّنو من الصّنو ، والذّراع من العضد (٦). واللّه لو تظاهرت العرب على
__________________
(١) الجشوبة : الخشونة ، وتقول : جشب الطعام ـ كنصر وسمع ـ فهو جشب وجشب ـ كشهم وبطر ـ وجشيب ومجشاب ومجشوب ، أى : غلظ فهو غليظ ، او بلا أدم ، وجشبه : طحنه جريشا.
(٢) التقاطها للقمامة ، أى : الكناسة ، و «تكترش» أى : تملأ كرشها.
(٣) اعتسف : ركب الطريق على غير قصد ، والمتاهة : موضع الحيرة.
(٤) الروائع الخضرة : الأشجار ، والأعشاب الغضة : الناعمة الحسنة.
(٥) الوقود : اشتعال النار ، أى : إذا وقدت بها النار تكون أقوى اشتعالا من النباتات غير البدوية وأبطأ منها خمودا ، ويروى «والنباتات العذية أقوى وقودا» وهى النباتات التى لا يسقيها إلا ماء المطر ،
(٦) الصنوان : النخلتان يجمعهما أصل واحد ، فهو من جرثومة الرسول