واستدلّ للثالث بصحيحتي رفاعة ومحمّد بن مسلم : «عن رجل نذر أن يمشي إلى بيت الله الحرام فمشى هل يجزئه عن حجّة الإسلام؟ قال (عليه السلام) : نعم» ، وفيه : أنّ ظاهرهما كفاية الحجّ النذري عن حجّة الإسلام مع عدم الاستطاعة وهو غير معمول به ، ويمكن حملهما على أنه نذر المشي لا الحجّ ثمّ أراد أن يحجّ فسُئل (عليه السلام) عن أنه هل يجزئه هذا الحجّ الذي أتى به عقيب هذا المشي أم لا فأجاب (عليه السلام) بالكفاية. نعم ، لو نذر أن يحجّ مطلقاً أيّ حجّ كان كفاه عن نذره حجّة الإسلام بل الحجّ النيابي وغيره أيضاً ، لأنّ مقصوده حينئذ حصول الحجّ منه في الخارج بأيّ وجه كان.
______________________________________________________
أنّ إطلاق الأسباب والمعرفات في باب الأحكام الشرعية ممّا لا أساس له أصلاً ، إذ ليست هذه الأُمور أسباباً للأحكام الشرعية فإنها أفعال اختيارية للمولى ولا يكون لفعل المكلف أو أي أمر خارجي دخل في تحققها ، بل هي موضوعات وموارد للحكم الشرعي.
وبالجملة : هذا البحث يجري في تلك المسائل ، وأمّا في باب النذر فيتبع التعدّد والوحدة قصد الناذر ، والشارع إنما يمضي ما التزمه الناذر على نفسه ، فإن النذر إنما هو التزام المكلف بشيء على نفسه فلا بدّ من النظر إلى متعلق نذره ، فإن كان التزامه متعلقاً بالجامع وبطبيعي الحجّ فينطبق ما التزم على نفسه على حجّ الإسلام قهراً ، لأنّ المفروض أن متعلق نذره مطلق وغير مقيّد بفرد خاص فلا موجب للتعدّد ، وأصالة عدم التداخل لا تجري في المقام ، فإنه بعد ما كان المقصود من النذر هو المطلق والطبيعي فينطبق منذورة على المأتي به وإن قصد به حج الإسلام ، فيكون المأتي به ممّا يصدق عليه متعلق النذر ، ولا فرق في ذلك بين التصريح بالإطلاق وعدمه ، فما ذكره من عدم التداخل في صورة عدم التصريح بالإطلاق لا وجه له ، وقد صرّح الماتن (قدس سره) في آخر المسألة بكفاية حج واحد إذا صرح بالإطلاق ، ومن الواضح عدم الفرق بين التصريح بالإطلاق وعدمه بعد ما كان المقصود هو الجامع الصادق على حج الإسلام ، والصحيحتان مؤكدتان لما ذكرنا.