قال سبحانه : (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلْنا مِنَ الْبَيِّناتِ وَالْهُدى مِنْ بَعْدِ ما بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتابِ أُولئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللاَّعِنُونَ) (البقرة / ١٥٩).
وكيفية الاستدلال بها هو انّ وجوب الإظهار وتحريم الكتمان يستلزم وجوب القبول وإلاّ لغى وجوب الإظهار ، نظير قوله سبحانه : (وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ ما خَلَقَ اللهُ فِي أَرْحامِهِنَ) (البقرة / ٢٢٨) فانّ حرمة كتمانهنّ لما في أرحامهن يقتضي وجوب قبول قولهن وإلاّ لغى التحريم.
يلاحظ على الاستدلال : أنّ الآية في مقام إيجاب البيان على علماء أهل الكتاب لما أنزل الله سبحانه من البيّنات والهدى ، ومن المعلوم أنّ إيجاب البيان بلا قبول أصلا يستلزم كونه لغوا. أمّا إذا كان القبول مشروطا بالتعدد أو بحصول الاطمئنان أو العلم القطعي فلا تلزم اللغوية ، وليست الآية في مقام البيان من هذه الناحية كآية النفر حتى يتمسك بإطلاقها.
قال سبحانه : (وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إِلاَّ رِجالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) (النحل / ٤٣).
وجه الاستدلال على نحو ما مضى في آية الكتمان حيث إنّ إيجاب السؤال يلازم القبول وإلاّ تلزم اللغوية.
يلاحظ عليه : أنّما تلزم اللغوية إذا لم يقبل قولهم مطلقا ، وأمّا على القول بقبول قولهم عند حصول العلم به فلا تلزم ، وليست الآية في مقام البيان من هذه الناحية حتى يتمسّك بإطلاقها ، بل الآية ناظرة إلى قاعدة عقلائية مطّردة وهي رجوع الجاهل إلى العالم.