الأوّل : ما اختاره العلاّمة في «التهذيب» من الدلالة على بقاء الجواز.
الثاني : عدم الدلالة على الجواز ، بل يرجع إلى الحكم الذي كان قبل الأمر. وهو خيرة صاحب المعالم.
استدل للقول الأوّل بأنّ المنسوخ لما دلّ على الوجوب ، أعني قوله : (فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقَةً) فقد دلّ على أمور ثلاثة :
١. كون تقديم الصدقة جائزا.
٢. كونه أمرا راجحا.
٣. كونه أمرا لازما.
والقدر المتيقّن من دليل الناسخ هو رفع خصوص الإلزام ، وأمّا ما عداه كالجواز وكالرجحان فيؤخذ من دليل المنسوخ ، نظيره ما إذا دلّ دليل على وجوب شيء ودلّ دليل آخر على عدم وجوبه ، كما إذا ورد أكرم زيدا وورد أيضا لا بأس بترك إكرامه فيحكم بأظهرية الدليل الثاني على الأوّل على بقاء الجواز والرجحان.
يلاحظ عليه : أنّه ليس للأمر إلاّ ظهور واحد وهو البعث نحو المأمور به ، وأمّا الوجوب فإنّما يستفاد من أمر آخر ، وهو كون البعث تمام الموضوع لوجوب الطاعة والالتزام بالعمل عند العقلاء ، فإذا دلّ الناسخ على أنّ المولى رفع اليد عن بعثه ، فقد دلّ على رفع اليد عن مدلول المنسوخ فلا معنى للالتزام ببقاء الجواز أو الرجحان إذ ليس له إلاّ ظهور واحد ، وهو البعث نحو المطلوب لا ظهورات متعدّدة حتى يترك المنسوخ (اللزوم) ويؤخذ بالباقي (الجواز والرجحان).
وبعبارة أخرى : الجواز والرجحان من لوازم البعث إلى الفعل ، فإذا نسخ الملزوم فلا وجه لبقاء اللازم.