لما كان نعم وبئس للمدوح العام والذم العام الشائعين في كل خصلة محمودة او مذمومة المستبعد تحققها وهو ان يشيع كون المحمود محمودا في خصال الحمد وكون المذموم مذموما في خلافها سلكوا بهما في الامر العام طريقي الاجمال والتفصيل لقصد مزيد التقرير فجاءوا بعد الفاعل بما يدل على المخصوص بالمدح او الذم فقالوا نعم الرجل زيد ونعم رجلا عمرو ألا ترى انك اذا قلت نعم الرجل معرفا للفاعل بالالف واللام الجنسية او قلت نعم رجلا فاضمرته مفسرا بمميز عام له كيف يتوجه المدح الى المخصوص به اولا على سبيل الاجمال لكونه فردا من الجنس ثم اذا عقّبته بذكر المخصوص كيف يتوجه اليه ثانيا على سبيل التفصيل فيحصل من تقوّي الحكم ومزيد التقرير ما يزيل ذلك الاستبعاد وقد جوّز النحويون في المخصوص بالمدح او الذم ان يكون مبتدأ خبره الجملة قبله وان يكون خبر مبتدأ محذوف واجب الحذف تقديره نعم الرجل هو زيد كأن سامعا سمع نعم الرجل فسأل عن المخصوص بالمدح من هو فقيل له هو زيد
وإن يقدّم مشعر به كفى |
|
كالعلم نعم المقتنى والمقتفى |
قد يتقدم على نعم ما يدل على المخصوص بالمدح فيغني ذلك عن ذكره كقولك العلم نعم المقتنى والمقتفى اي المتبع ونحوه قوله تعالى حكاية عن ايوب صلىاللهعليهوسلم. (إِنَّا وَجَدْناهُ صابِراً نِعْمَ الْعَبْدُ.) وقول الشاعر
اني اعتمدتك يا يزي |
|
د فنعم معتمد الوسائل |
واجعل كبئس ساء واجعل فعلا |
|
من ذي ثلاثة كنعم مسجلا |
استعملوا ساء في الذم استعمال بئس في عدم التصرف والاقتصار على كون الفاعل معرفا بالالف واللام او مضافا الى المعرف بهما او مضمرا مفسرا بتمييز بعده والمجيء بعد الفاعل بالمخصوص بالذم فيقال ساء الرجل زيد وساء غلام الرجل عمرو وساء غلاما عبد هند كما قال الله تعالى. (بِئْسَ الشَّرابُ وَساءَتْ مُرْتَفَقاً.) وقال الله تعالى.
(ساءَ ما يَحْكُمُونَ.) فهذا على حدّ قوله تعالى. (بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ.) قوله واجعل فعلا من ذي ثلاثة كنعم مسجلا اي بلا قيد يقال اسجلت الشيء اذا مكنت من الانتفاع به مطلقا والمراد بهذه العبارة التنبيه على ان العرب تبني من كل فعل ثلاثي فعلا على فعل لقصد المدح او الذم وتجريه في الاستعمال وعدم التصرف مجرى نعم كقولك