ويروى أن هذه الحية هى الدابة التى تخرج عند قيام الساعة من أجياد تكلم الناس وتسم وجه المؤمن والكافر ، وأنها تخرج قبل يوم التروية بيوم ، وقيل : يوم التروية ، وقيل : يوم عرفة ، وقيل : يوم النحر أو الغد من يوم النحر ، ويروى أنها تخرج من شعب أجياد ، وأنها يمس رأسها السحاب وما خرجت رجلاها من الأرض ، وقيل : تخرج من تحت الصفا ، وقيل : من المروة (١) ، والله أعلم.
ثم هدمت قريش الكعبة ، وأول من بدأ بالهدم الوليد بن المغيرة ، ثم أخذوا فى البناء ، وحضر سيدنا محمد المصطفى صلىاللهعليهوسلم وكان ينقل معهم الحجارة وهو ابن خمس وعشرين سنة ـ وقيل : خمس وثلاثين سنة ـ ثم لما بلغوا موضع الحجر الأسود اختلفوا فيمن يضعه من القبائل حتى هموا بالقتال ، فاجتمع رأيهم أن يتحاكموا إلى أول داخل من باب المسجد ، فكانوا منتظرين فإذا هم كذلك دخل سيدنا محمد صلىاللهعليهوسلم وهو غلام ، فلما رأوه قالوا : هذا الأمين قد رضينا بما يقضى به بيننا ، ثم أخبروه بالخبر ، فوضع رسول الله صلىاللهعليهوسلم رداءه وبسطه على الأرض ثم وضع الحجر فيه ، ثم أمر سيد كل قبيلة أن يأخذ بناحية من الثوب ، ثم قال : «ارفعوا جميعا» ، فلما رفعوه وضعه سيدنا محمد صلىاللهعليهوسلم بيده المباركة الطاهرة (٢).
وسبب تسميته بالأمين أنه صلىاللهعليهوسلم كان قائما بين الصفا والمروة وهو ابن سبع سنين إذ نزل جماعة من تجار الشام وكانوا على ملة المسيح عليهالسلام فنظر إليه أحدهم فعرفه بعلامات وجدها فى كتبهم من نعوته وسيره فقال له : من أنت؟ فقال : «أنا محمد بن عبد الله بن عبد المطلب» فقال له : من رب هذه؟ وأشار إلى السماء فقال : «الله ربها» ، وقال : من رب هذه؟ وأشار إلى الأرض فقال : «الله ربها» ، فقال : من رب هذه؟ وأشار إلى الجبال ، فقال : «الله ربها لا شريك له» ، فقال النصرانى : فهل لها رب غيره؟ فقال : «لا جئت لتشككنى فى الله تعالى ما له
__________________
(١) ينظر عن أمر بناء الكعبة فى هذا الوقت فى : أخبار مكة للأزرقى ١ / ٦٦ ـ ٧٢ ، السيرة لابن هشام ٢ / ٣٠٠ ، شفاء الغرام ١ / ١٥٤ ـ ١٥٧ ، فتح البارى ٣ / ٥١٥ ـ ٥١٧ ، عبد الرزاق فى مصنفه (٩١٠٤). البيهقى فى دلائل النبوة ١ / ٥٧.
(٢) أخرجه : عبد الرزاق فى مصنفه (٩١٠٤) ، البيهقى فى الدلائل ١ / ٥٧ ، الأزرقى فى أخبار مكة ١ / ٦٢ ، الفاكهى فى أخبار مكة ٥ / ٢٢٨ ، ابن إسحاق فى السير والمغازى ٢ / ١٠٨ ، ابن سيد الناس فى عيون الأثر ١ / ٥١ ، ٥٢.