فكان مما شهدته هذه الليلة العظيمة ، هو ذلك العروج الملكوتي والارتباط الروحي مع عالمَ الغيب ، وذلك حينما قام سيد شباب أهل الجنة عليهالسلام مع أصحابه بين يدي الخالق منقطعين إليه تعالىٰ بين راكع وساجدٍ ، وقارئ للقرآن ، ولهم دويٌ كدوي النحل ، فتراهم خُشعاً أبصارهم ، وقد كَستهم العبادة أنواراً إلهية ، فكان لها الأثر الكبير في تهذيب نفوسهم وشَحذ قلوبِهم وصقلها فتسلحوا بها علىٰ أعدائهم ، وحققوا بها أكبرَ انتصارٍ عرفهُ التاريخ.
يقول الشاعر :
ودويٌ كالنحل في صلوات |
|
لو أتوها على الوجود لزالا |
يَشحذون الفؤاد كي لا يهالا |
|
حين ترتجُّ أرضُها زلزالا |
وما أحقهم بوصف من قال :
لله قومٌ إذا ما الليلُ جنّهمُ |
|
قاموا مِنَ الفُرش للرحمٰن
عُبّادا |
ويركبون مطايا لا تملّهمُ |
|
إذا هُم بمنادي الصّبح قد نادى |
همُ إذا ما بياض الصبح لاح لهمْ |
|
قالوا من الشوق ليت الليل قد عادا |
همُ المُطيعون في الدنيا لسيّدهم |
|
وفي القيامة سادوا كلّ مَنْ سادا |
الأرضُ تبكي عليهم حين تفقدهم |
|
لأنّهم جُعلِوا للأرضِ أوتادا (١) |
وقد كان لعبادتهم أيضاً أثر كبير في نفوس آخرين ، فقد اهتدىٰ بهم ـ كما في الرواية (٢) ـ اثنان وثلاثون رجلاً من معسكر بن زياد إذ عبروا إليهم ، وقد كانوا بالقُرب من خيامِهم ، وذلك لمَّا استوقفتهم تلك الأصوات الرخيمة التي كانت تعلو
__________________
(١) سفينة البحار للقمي : ج ٥ ، ص ٤٥.
(٢) اللهوف : ص ٤١.