بينهم وبين جنان الخلد والفردوس الأعلىٰ سوىٰ سُويعاتٍ أو تُميراتٍ يأكلونها أو حملاتٍ يَحملونها ، وهذا من أشرف السباق ، وموتُه أهنأ موتٍ ، وشعارهُ أقوىٰ دليلٍ على الفضيلة والإيمان ، ولم يَعهد التأريخُ لجماعةٍ بِداراً نحوَ الموتِ وسباقاً إلى الجنة والأسنةً مثل ما عهِدناهُ في صَحبِ الحسين عليهالسلام.
وقد عَجم الحسينُ عليهالسلام عودَهم واختبرَ حُدودَهُم ، وكَسب منهمُ الثقةَ البليغة ، وأسفرت امتحاناتُه كلُّها عن فوزه بصحَبٍ أوفياء وأصفياء وإخوانِ صدقٍ عند اللقاء ، قَلَّ ما فازَ أو يَفوزُ بأمثالهم ناهض ! فلا نجد أدنىٰ مبالغةٍ في وصفه لهم عندما قال : أما بعد ، فإني لا أعلمُ أصحاباً خَيراً مِن أصحابي ، ولا أهلَ بيتٍ أبرَّ وأوفى من أهلِ بيتي (١).
وكان الفضلُ الأكبرُ في هذا الانتقاء يَعودُ إلىٰ حُسن انتخاب الحسين عليهالسلام وقيامهِ بكلِّ وجائب الزعامة والإمامة ، وقيامُ الرئيسِ بالواجب يَقود أتباعَه إلىٰ أداءِ الواجب ، واعتصامُ الزعيم بِمبدئِه القويم يسوقُ مَنْ معهُ إلى التمسُّك بالمبدأ والمسلك والغاية ، فكان سُرادق الحسين عليهالسلام بما فيه من صَحبٍ وآلٍ ونساء وأطفالٍ كالماءِ الواحد لا يفترق بعضُه عن بعض ، فكان كلٌّ منهم مِرآةَ سيدهِ الحسين عليهالسلام بحاله وفعاله وأقواله ، وكانوا يفتدونَه بأنفُسهم كما كان يتمنى القتلَ لنفسه قبلَهم (٢).
جادوا بأنفسهم في حُبِ سيدهم |
|
والجودُ بالنفس أقصى غايةُ الجودِ |
ومن صور الاقتداء والإيثار في هذه الليلة العظيمة هو حينما هبَّت الصفوةُ الطيبةُ من أنصاره ، وأهل بيته عليهمالسلام بإيمانهم العميق بالمبدأ السامي للدفاع عن حريم
__________________
(١) تاريخ الطبري : ج ٤ ، ص ٣١٧ ، اللهوف : ص ٣٩.
(٢) نهضة الحسين للشهرستاني : ص ١١٣.