الأستاذ فرات الاسدي
مشيئة الدم
قصيدةٌ عمودية في ظاهرها فقط ، أما جّوها وبناؤها ولغتها وصورها وتراكيب جملها فهي برزخية الإنتماء تتقاطع مع التراث والمعاصرة في مفترقات وملتقيات عدّة لتبرز هويّتها غير المنحازة وغير المتعيّنة على وجه الدقة ، وهي قصيدة خروجٍ على السائد في كل محاورها وخصوصاً على الثوابت النحوية ـ التي لفرات الأسدي رسوخ طويل بها ـ فهي تقفز منذ صدر البيت الاول فوق المعايير لتُلجئ المتلقّي إلى التأويل والتمحّل لما هو بين شارحتين ـ حلمه العجبا ـ ويتأكد هذا القفز فوق الثوابت النحوية في مشاكساتٍ ومحاولاتٍ للخروج الواعي أو هي على الأقل إشعار بذلك ، مما يُنبئ أن الشاعر يضيق ذرعاً بالمعيارية التي تمتدّ ضاغطةً على الرؤى غير المتشكّلة بعد ، وعلى القواعد التي تحاصر فضاءه وهو ( فضاء قصّي اللمح ) فهو يفرض الحيرة على المتلقي مثلاً في
مَن ينحرِ الماء مَنْ يَخنُقْ شواطئه ؟ |
|
والنهر مدّ يديه نحوه .. وأبى |
فهل ( من ) إستفهامية أم شرطية وكيف جزمت الفعلين ؟ إن التعمّد والقصديّة واضحان في التجاوز ونُضيف إلى ذلك ما يمكن أن نسميّه ب ( إزدحام الأفعال ) كظاهرةٍ بارزةٍ في القصيدة حتى وصل عدد الأفعال المستخدمة في بيتٍ واحد إلى خمسة أفعال :
رأيتُ فيما رأيت الدهشة إنكسرتْ |
|
وخضّبت جسداً للمستحيل كبا |