ولأن الفعل في العربية ـ غالباً ـ ما يشكّل بدايات الجمل فهذا البيت يطالب ذهن المتلقي أن يقف خمس وقفات ليبتدأ من إنطلاقات الجمل فيحتاج إلى تأمّلٍ أكثر ووقتٍ أطول فتتعدّد المفاتيح الباحثة عن أبواب النص وهناك لدى فرات الأسدي ظاهرة نحوية اخرى يتعمّدها في نصّه وهي حشد الضمائر المتصلة فعلى إمتداد (٢٢) بيتاً هناك (٥٣) ضميراً متّصلاً على الأقل بحيث تعسر الإحالة ويصعب الإرجاع وسنرى هذا المثال :
وكان يلقى سيوف الليل منصلتاً |
|
ويستفزّ مُدىً مجنونة وظُبى |
وكان يعبر في أشفارها فزعاً |
|
مرّاً وترتدّ عن أوداجه رعُبا |
تمتدّ لهفتها حيرى فيسلمها |
|
الى ضلوع تشظّت تحتها نهَبا |
فاذا أردنا معرفة عائدية الضمير ( ها ) المتصل بالفعل ( يسلم ) فلن يسهل ذلك ، لانه قابل للإحالة إلى ( اللهفة ، الأشفار ، الظُبى ، المُدى ، سيوف الليل ) وإذا أضفنا إلى ذلك العُسر صعوبة تمييز فاعل الفعل ( يسلم ) هل هو فاعل ( كان يعبر ) أي الفاعل الأساس أم هو الفزع المرّ أم الرعب ؟ تشابكت القراءات وتنافرت على المحور الدلالي العام مما يصوّب رأينا القائل أن قصيدة فرات مكتوبة لكي يقرأها المتلقي لا لكي يسمعها فهي نخبوية متوغّلة في موقف جمالي عميق لا يشف وهي درامية البناء قائمةٌ على النفور من العواطف والإنفعالات البسيطة لذا نراها تجاهلت المدخليّات المألوفة إلى ليلة عاشوراء ودارت محاورها على لغة حلميةٍ عميقةٍ تعتمد الإيحاء والإيماء والغموض البرّاق في التعامل مع الأحداث بصدق فني لا يتطابق مع الصدق الواقعي بل يتضمنه ويلازمه في تجربة غنية حافلة بالاجتراح وشاعريةٍ جامحةٍ متمرّسة طالما أغنت ساحتها تجارب كثيرة مميّزة.