أي : خذه من أدنى مكان منك. ثم اتسع فيه ، واستعمل في انحطاط ، لا يكون في المكان. كقصر القامة ـ مثلا ـ ثم استعير منه ، للتفاوت في المراتب المعنوية ، تشبيها بالمراتب المحسوسة. وشاع استعماله أكثر من استعماله في الأصل. نحو ، زيد دون عمرو ، أي : في الشرف.
ومنه ، الشيء الدون. ثم اتسع في هذا المستعار ، فاستعمل في كل تجاوز حد الى حد. وان لم يكن هناك ، تفاوت وانحطاط. فهو في هذا المعنى ، مجاز في المرتبة الثالثة. قال تعالى : (لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ) (١) ، أي : لا يتجاوز ولاية المؤمنين ، الى ولاية الكافرين. وقال أمية : يا نفس! مالك دون الله من واق ، أي : إذا تجاوزت وقاية الله ، فلا يقيك غيره.
وهو بهذا المعنى ، قريب من أن يكون بمعنى «غير» كأنه أداة استثناء.
والأحسن هنا ، أن يكون بمنزلة أداة استثناء. أو بمعنى ، أدنى مكان من شيء.
فيستعار لمعنى قدام الشيء وبين يديه.
وكلمة «من» ، إذا كان «دون» بمعنى القدام (٢) ، تبعيضية. لأن الفعل ، يقع في بعض الجهة. وهو ظرف لغو معمول «لشهدائكم» ، إذ يكفيه رائحة الفعل.
فلا حاجة الى اعتماد ولا الى تقدير يشهدوا.
وإذا كان بمعنى ، أدنى مكان من شيء ، ابتدائية متعلقة «بادعوا». وكذا ان كان بمعنى ، التجاوز عن حد الى حد. لكنه ظرف مستقر ، وقع حالا. والعامل فيها «أدعوا» أو «شهدائكم».
وقد يقال : كلمة «من» الداخلة على «دون» ، في جميع مواضعها ، بمعنى ، في. كما في سائر الظروف غير المتصرفة ، أي : التي تكون منصوبة على الظرفية
__________________
(١) آل عمران / ٢٨.
(٢) أ : القدم.