(صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ) : خبر مبتدأ محذوف. والضمير المحذوف ، ان كان كناية عن المستوقدين ـ فإطلاق هذه الصفات عليهم ، على سبيل الحقيقة.
والمعنى ، أنهم أوقدوا نارا ، ذهب الله بنورهم. وتركهم في ظلمات هائلة.
أدهشتهم بحيث اختلت حواسهم. وانتقصت قواهم. فصاروا صما بكما عميا.
وان كان عبارة عن المنافقين ، فاطلاقها عليهم ، على طريقة التشبيه. لأنهم لما سدوا آذانهم ، عن إصغاء الحق وألسنتهم ، عن النطق به وأبصارهم ، عن مشاهدة آياته ، جعلوا كأنما أيفت مشاعرهم. وانتفت لا على سبيل الاستعارة ، إذ من شرطها أن يطوى ذكر المستعار له ، أي : لا يكون مذكورا على وجه ، ينبئ عن التشبيه.
وهو أن يكون بين طرفيه حمل ، أو (١) ما في معناه. كذا في الكشاف (٢).
قيل : وهنا بحث. وهو أنه لا نزاع في أن تقدير الاية ، هم صم. لكن مع ذلك ، ليس المستعار له ، مذكورا هاهنا. لأنه أحوال مشاعر المنافقين وحواسهم.
لا ذواتهم. ففي هذه الصفات ، استعارة تبعية مصرحة. لأنها استعير مصادرها ، لتلك الأحوال. ثم اشتقت هي ، منها.
أقول : فعلى هذا ، الصم ، جمع الأصم. والبكم ، جمع الأبكم. والعمي ، جمع الأعمى. وقد صرح به ، بعض أهل اللغة. فحينئذ ، ما ذكره بعض المفسرين ، من أن الحمل على سبيل المبالغة ، في غاية السقوط.
وغاية ما يتكلف ، عما في الكشاف أن يقال : تشبيه ذوات المنافقين ، بذوات الأشخاص الصم ، متفرع على تشبيه حالهم ، بالصم. لكن القصد الى اثبات هذا الفرع ، أقوى وأبلغ اشارة ، الى أن المشابهة بين الحالين ، قويت ، حتى كأنها تعدت الى الذاتين. فحمل الاية على هذا التشبيه ، انما هو لرعاية المبالغة ، في
__________________
(١) أ : وما.
(٢) الكشاف ١ / ٧٥.