فهم صم ، عن سماع ما ينطق به دلائلها بكم. لا يسألونه بلسان استعدادهم. عمي لا يرونه ببصر بصيرتهم. فهم لا يرجعون عما هم فيه ، من أسباب الشقاوة ، الى ما فاتهم من موجبات السعادة.
(أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّماءِ) :
ثم ثنى الله سبحانه ، في شأنهم ، بتمثيل آخر ، ليكون تحقيقا لحالهم ، بعد كشف ، وإيضاحا غبّ إيضاح.
وكما يجب على البليغ ، في مظانّ الإجمال والإيجاز ، أن يجمل ويوجز ، فكذلك الواجب عليه ، في موارد التفصيل والاشباع ، أن يفصّل ويشبع.
وهو ، عطف على قوله (كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ). أي ، مثلهم كمثل الذي استوقد. أو ، كمثل ذوي صيّب.
وانما قدّر كذلك ، لتعيين مرجع الضمائر الاتية ، وتحصيل كمال الملائمة ، مع المعطوف عليه ومع المشبه ـ أيضا ـ أعني (١) : مثلهم.
وأما نفس التشبيه ، فلا يقتضي تقدير شيء. إذ لا يلزم في التشبيه المركب ، أن يكون ما يلي الكاف ، هو المشبه به. كما في قوله تعالى : (إِنَّما مَثَلُ الْحَياةِ الدُّنْيا ، كَماءٍ) (٢).
ومما ثنّي من التمثيل ، في التنزيل ، قوله : (وَما يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ وَلَا الظُّلُماتُ وَلَا النُّورُ وَلَا الظِّلُّ وَلَا الْحَرُورُ. وَما يَسْتَوِي الْأَحْياءُ وَلَا الْأَمْواتُ) (٣).
و «أو» ، موضوعة في أصلها للتساوي. ولذلك اشتهرت بأنها كلمة شك.
فتكون مخصوصة بالخبر. ثم استعيرت للتساوي ، في غير الشك. فاستعمل في
__________________
(١) أ : أى.
(٢) يونس / ٢٤.
(٣) فاطر / ٢٠ ـ ٢٣.