قلت : غزا المعتصم بلاد الروم في سنة ثلاث وعشرين ومائتين فأنكى في العدو نكاية عظيمة ، ونصب على عمورية المجانيق ، وأقام عليها حتى فتحها ودخلها فقتل فيها ثلاثين ألفا ، وسبى مثلهم. وكان في سبيه ستون بطريقا. وطرح النار في عمورية من سائر نواحيها فأحرقها. وجاء ببابها إلى العراق. وهو باق حتى الآن منصوب على أحد أبواب دار الخلافة. وهو الباب الملاصق مسجد الجامع في القصر.
أخبرني عبيد الله بن أبي الفتح حدّثنا أحمد بن إبراهيم حدّثنا إبراهيم بن محمّد بن عرفة حدّثني عبد العزيز بن سليمان بن يحيى بن معاذ عن أبيه. قال : كنت أنا ويحيى ابن أكثم نسير مع المعتصم وهو يريد بلاد الروم قال : فمررنا براهب في صومعته ، فوقفنا عليه وقلنا : أيها الراهب ، أترى هذا الملك يدخل عمورية؟ فقال لا : إنما يدخلها ملك أكثر أصحابه أولاد زنى. قال : فأتينا المعتصم فأخبرناه فقال : أنا والله صاحبها ، أكثر جندي أولاد زنا ، إنما هم أتراك أعاجم.
أخبرني الحسين بن على الصّيمريّ حدّثنا محمّد بن عمران بن موسى أخبرني على ابن هارون أخبرني عبيد الله بن أحمد بن أبي طاهر عن أبيه قال : ذكر ابن أبي دؤاد المعتصم يوما فأسهب في ذكره ، وأكثر من وصفه ، وأطنب في فضله ، وذكر من سعة أخلاقه ، وكرم أعراقه ، وطيب مركبه ، ولين جانبه ، وجميل عشرته ، ورضى أفعاله ، وقال قال لي يوما ، ونحن بعمورية ، ما تقول يا أبا عبد الله في البسر؟ فقلت : يا أمير المؤمنين نحن ببلاد الروم ، والبسر بالعراق! قال : وقد وجهت إلى مدينة السلام فجاءوني بكباستين ، وقد علمت أنك تشتهيه ، ثم قال : يا إيتاخ ، هات إحدى الكباستين. فجاء بكباسة بسر ، فمد ذراعه وقبض عليها بيده. وقال : كل بحياتي عليك من يدي ، فقلت : جعلني الله فداك يا أمير المؤمنين ، بل بعضها فآكل كما أريد. قال لا والله إلا من يدي. فو الله ما زال حاسرا ذراعه ومادا يده وأنا أجتني من العذق حتى رمى به خاليا ما فيه بسرة. قال : وكنت كثيرا ما أزامله في سفره ذلك إلى أن قلت له يوما : يا أمير المؤمنين لو زاملك بعض مواليك وبطانتك ، فاسترحت منى إليهم مرة ومنهم إليّ أخرى ، فإن ذلك أنشط لقلبك ، وأطيب لنفسك ، وأشد لراحتك؟ قال : فإن سيتما الدمشقي يزاملنى اليوم ، فمن يزاملك أنت؟ قلت : الحسن ابن يونس قال : فأنت وذاك. قال : فدعوت بالحسن فزاملنى وتهيأ أن ركب بغلا ، واختار أن يكون منفردا ، قال وجعل يسير بسير بعيري ، فإذا أراد أن يكلمني رفع