قال : سمعت القوّاس يقول (١) : كنا نمر إلى ابن منيع والدّارقطني صبي يمشي خلفنا بيده رغيف عليه كامخ (٢) فدخلنا إلى ابن منيع ومنعناه فقعد على الباب يبكي.
أخبرنا أبو منصور بن خيرون ، أنا (٣) ـ وأبو الحسن بن سعيد ، أنا (٤) ـ أبو بكر الخطيب (٥) ، نا الأزهري قال : بلغني أن الدّار قطني حضر في حداثته مجلس إسماعيل الصّفّار ، فجلس ينسخ جزءا كان معه ، وإسماعيل يملي ، فقال [له] بعض الحاضرين لا يصح سماعك وأنت تنسخ ، فقال الدّار قطني : فهمي للإملاء خلاف فهمك ، ثم قال : تحفظ كم أملى (٦) الشيخ من حديثه إلى الآن ، فقال : لا ، فقال الدّار قطني : أملى (٧) ثمانية عشر حديثا ، فعدّت الأحاديث فكانت كما قال أبو الحسن ، الحديث الأول منها عن فلان عن فلان ومتنه كذا ، والحديث الثاني عن فلان عن فلان ومتنه كذا ، ولم يزل يذكر أسانيد الأحاديث ومتونها على ترتيبها في الإملاء حتى أتى على آخرها ، فتعجب الناس منه ـ أو كما قال ـ.
قال (٨) : وأنا البرقاني ، قال : سمعت أبا الحسن الدار قطني يقول : كتبت ببغداد من أحاديث السوداني (٩) أحاديث يتفرّد بها ، ثم مضيت إلى الكوفة لأسمع منه ، فجئت إليه وعنده أبو العبّاس بن عقدة ، فدفعت إليه الأحاديث في ورقة ، فنظر فيها أبو العباس ثم رمى بها واستنكرها وأبى أن يقرأها ، وقال : هؤلاء البغداديون يجيئونا بما (١٠) لا نعرفه ، قال أبو الحسن : ثم قرأ أبو العباس عليه فمضى في جملة ما قرأ حديث منها ، فقلت له : هذا الحديث من جملة الأحاديث ، ثم مضى آخر فقلت له : وهذا أيضا من جملتها ثم مضى ثالث فقلت : وهذا أيضا منها ، وانصرفت وانقطعت عن العود إلى المجلس لحمّى نالتني ، فبينا أنا في الموضع الذي كنت نزلته إذا بداقّ يدقّ على الباب ، فقلت :
__________________
(١) الخبر في سير أعلام النبلاء ١٦ / ٤٥٢.
(٢) الكامخ ، لفظ أعجمي عربوه : إدام (تاج العروس بتحقيقنا : كمخ ، وانظر القاموس).
(٣) كذا بالأصل في الموضعين : «أنا».
(٤) كذا بالأصل في الموضعين : «أنا».
(٥) الخبر رواه البغدادي في تاريخ بغداد ١٢ / ٣٦.
(٦) بالأصل : «املاء».
(٧) بالأصل : «املاء».
(٨) القائل : أبو بكر الخطيب ، وانظر الخبر في تاريخ بغداد ١٢ / ٣٧.
(٩) كذا بالأصل وتاريخ بغداد ، وكتب مصححه على الهامش : «كذا في الأصلين ولعله السوذجاني».
(١٠) بالأصل : «بلا معرفة» والمثبت : «بما لا نعرفه» عن تاريخ بغداد.