كان الناس يتطلعون إلى رؤية أمير المؤمنين ، واحتشدوا لذلك ؛ فلم يركب ؛ ولا يأمن إن هو لم يركب اليوم ، أن يرجف الناس بعلّته ، فإذا رأى أمير المؤمنين أن يسرّ الأولياء ، ويكبت الأعداء بركوبه فليفعل.
فركب وقد صفّ له الناس نحو أربعة أميال ، وترجّلوا بين يديه ، فصلّى ، ورجع ، فأخذ حفنة من التراب ، فوضعها على رأسه وقال : إنّي رأيت كثرة هذا الجمع ، ورأيتهم تحت يديّ ، فأحببت أن أتواضع لله ؛ فلمّا كان اليوم الثالث افتصد ، واشتهى لحم جزور ، فأكله ، وكان قد حضر عنده ابن الحفصيّ وغيره ، فأكلوا بين يديه. قال : ولم يكن يوم أسرّ من ذلك اليوم ، ودعا الندماء والمغنّين ، فحضروا ، وأهدت له أمّ المعتزّ مطرف خزّ أخضر ، لم ير الناس مثله ، فنظر إليه ، فأطال ، وأكثر تعجّبه منه ، وأمر فقطع نصفين وردّه عليها ، وقال لرسولها : والله إنّ نفسي لتحدّثني أنّي لا ألبسه ، وما أحبّ أن يلبسه أحد بعدي ، ولهذا أمرت بشقّه.
قال فقلنا : نعيذك بالله أن تقول مثل هذا ؛ قال : وأخذ في الشرب واللهو. ولجّ بأن يقول : أنا والله مفارقكم عن قليل! ولم يزل في لهوه وسروره إلى الليل.
وكان قد عزم هو والفتح أن يفتكا بكرة غد بالمنتصر ووصيف وبغا وغيرهم من قوّاد الأتراك ، وقد كان المنتصر واعد الأتراك ووصيفا وغيره على قتل المتوكّل.
وكثر عبث المتوكّل ، قبل ذلك بيوم ، بابنه المنتصر ، مرّة يشتمه ، ومرّة يسقيه فوق طاقته ، ومرّة يأمر بصفعه ، ومرّة يتهدّده بالقتل ، ثمّ قال للفتح : برئت من الله ومن قرابتي من رسول الله صلىاللهعليهوآله ، إن لم تلطمه ، يعني المنتصر ، فقام إليه فلطمه مرّتين ، ثمّ أمرّ يده على قفاه ، ثمّ قال لمن حضره : اشهدوا عليّ جميعا أنّي قد خلعت المستعجل ، يعني المنتصر ، ثمّ التفت إليه فقال : سمّيتك المنتصر ، فسمّاك الناس ، لحمقك ، المنتظر ، ثمّ صرت الآن المستعجل.
فقال المنتصر : لو أمرت بضرب عنقي كان أسهل عليّ ممّا تفعله بي ؛ فقال :