اسقوه ، ثمّ أمر بالعشاء فأحضر ، وذلك في جوف الليل ، فخرج المنتصر من عنده ، وأمر بنانا غلام أحمد بن يحيى أن يلحقه ، وأخذ بيد زرّافة الحاجب ، وقال له : امض معي! فقال : إنّ أمير المؤمنين لم ينم ، فقال : إنّه قد أخذ منه النبيذ ، والساعة يخرج بغا والندماء ، وقد أحببت أن تجعل أمر ولدك إليّ ، فإنّ أو تامش سألني أن أزوّج ولده من ابنتك ، وابنك من ابنته ؛ فقال : نحن عبيدك فمر بأمرك! فسار معه إلى حجرة هناك ، وأكلا طعاما ، فسمعا الضجّة والصراخ ، فقاما ، وإذا بغا قد لقي المنتصر ، فقال المنتصر : ما هذا؟ فقال : خير يا أمير المؤمنين ، قال : ما تقول ويلك؟ قال : أعظم الله أجرك في سيّدنا أمير المؤمنين ، كان عبد الله دعاه فأجابه.
فجلس المنتصر ، وأمر بباب البيت الذي قتل فيه المتوكّل فأغلق ، وأغلقت الأبواب كلّها ، وبعث إلى وصيف يأمره بإحضار المعتزّ والمؤيّد عن رسالة المتوكّل. وأمّا كيفيّة قتل المتوكّل ، فإنّه لمّا خرج المنتصر دعا المتوكّل بالمائدة ، وكان بغا الصغير المعروف بالشرابيّ قائما عند الستر ، وذلك اليوم كان نوبة بغا الكبير ، وكان خليفته في الدار ابنه موسى ، وموسى هو ابن خالة المتوكّل ، وكان أبوه يومئذ بسميساط ، فدخل بغا الصغير إلى المجلس ، فأمر الندماء بالانصراف إلى حجرهم ، فقال له الفتح : ليس هذا وقت انصرافهم ، وأمير المؤمنين لم يرتفع ؛ فقال بغا : إنّ أمير المؤمنين لم يرتفع ؛ فقال بغا : إنّ أمير المؤمنين أمرني أنّه إذا جاوز السبعة لا أترك أحدا ، وقد شرب أربعة عشر رطلا ، وحرم أمير المؤمنين خلف الستارة. وأخرجهم. فلم يبق إلّا الفتح وعثعث ، وأربعة من خدم الخاصّة ، وأبو أحمد بن المتوكّل ، وهو أخو المؤيّد لأمّه.
وكان بغا الشرابيّ أغلق الأبواب كلّها ، إلّا باب الشطّ ، ومنه دخل القوم الذين قتلوه ، فبصر بهم أبو أحمد ، فقال : ما هذا يا سفل! وإذا سيوف مسلّلة ، فلمّا سمع المتوكّل صوت أبي أحمد رفع رأسه ، فرآهم فقال : ما هذا يا بغا؟ فقال : هؤلاء