والأشجار يسمّونه سوادا ، والسواد الاخضرار ، كما قال الفضل بن عبّاس بن عتبة وكان أسود :
وأنا الأخضر من يعرفني |
|
أخضر الجلدة من نسل العرب |
وكانت ملوك فارس ينزلون السواد لما جمع الله في أرضه من مرافق الخيرات وما يوجد فيها من غضارة العيش ، وخصب المحل ، وطيب المستقرّ وسعة ميرها من أطعمتها وأوديتها وعطرها ولطيف صناعتها ، وكانوا يشبّهون السواد بالقلب ، وسائر الدنيا بالبدن ، وكذلك سمّوه دل ايران شهر ، أي قلب ، وايران شهر الاقليم المتوسط بجميع الأقاليم ، وإنّما شبّهوه بذلك لأنّ الآراء تشعّبت عن أهله بصحّة الفكر والرؤية كما تتشعّب عن القلب بدقائق العلوم ولطائف الآداب والأحكام ، وخصب بلاد العراق بسهولة لا عوائق فيها ، ولا شواهق تشينها ، ولا مفاوز موحشة ، ولا براري منقطعة عن تواصل العمارة ، وكانت الأنهار المطّردة من رساتيقها وبين قرارها ، مع قلّة جبالها وآكامها ، وتكاثف عمارتها ، وكثرة أنواع غلّاتها وثمارها ، والتفاف أشجارها وعذوبة مائها ، وصفاء هوائها وطيب تربتها ، مع اعتدال طينتها ، وتوسّط مزاجها ، وكثرة أجناس الطير والصيد في ظلال أشجارها ، من طائر بجناح ، وماش على ظلف ، وسابح في بحر.
قد أمنت ممّا تخافه البلدان من غارات الأعداء ، وبوائق المخالفين مع ما خصّت به من الرافدين دجلة والفرات ، إذ قد اكتنفاها لا ينقطعان شتاءا ولا صيفا على بعد منافعهما في غيرها فإنّه لا ينتفع منها بكثرة فائدة حتّى يدخلاها فتسيح مياههما في جنباتها ، وتنبطح في رساتيقها ، فيأخذون صفوه هنيئا ويرسل كدره وأجنه إلى البحر لأنّهما يشتغلان عن جميع الأراضي التي يمرّان بها ولا ينتفع بهما في غير السواد إلّا بالدوالي بمشقّة وعناء ، بخلاف أرض العراق لأنّ بها يقرّان قرارهما ويسقيان بساتينها ، وتسيح في رساتيقها وحدائقها.