من بساتين وحدائق وقصور على الجانب الأيمن من نهر دجلة وهي المشتملات التي تقع بين نهر دجلة ونهر الإسحاقي والتي تمتدّ على طول ضفة دجلة الغربيّه مقابل سرّ من رأى ، ولا شكّ أنّ هذه المساحة الهائلة تجعل مدينة سرّ من رأى في عداد أكبر مدن العالمين القديم والحديث.
إلى أن قال : غير أنّ هذا الازدهار العجيب لم يستمرّ مدّة طويلة لأنّ المدينة تفقد صفة العاصمة التي كانت علّة وجودها وعامل كيانها قبل أن يمضي نصف قرن على نشأتها فأخذ في الاقفرار والاندراس بسرعة هائلة لا تضاهيها سرعة ، وبعد أن كان الناس يسمّونها باسم سرّ من رأى أضحوا يسمّونها ساء من رأى ، وبعد أن كان الشعراء يتسابقون في مدح قصورها أخذوا يسترسلون في رثاء أطلالها. وفي الواقع ماتت سامرّاء ميتة فجائيّة بعد عمر قصير لم يبلغ نصف القرن ، وأمست رموسا وأطلالا.
واعلم أنّ الموصل استوت عليه سفينة نوح عليهالسلام ، ولمّا نضب الماء وكان طريق سام من بازبدى إلى جوخى أرض سامرّاء فحيث رأى طيب هوائها وسعة فضائها وعذوبة مائها ابتنى بها مدينة سامرّاء فصارت آهلة عظيمة عامرة ثمّ كثر فيها عبدة الأوثان.
ويقول حمد الله المستوفي المتوفّى ١٧٤٠ أو خمسين : إنّ مدينة سامرّاء أنشأها في الأصل سابور الثاني ذو الأكتاف ولمّا كان إقليمها طيّبا عرفت بسرّ من رأى. ويقال : إنّ الناس خفّفوا هذه النسبة فقالوا سامراء. وقد ذكرها البحتري شاعر المتوكّل بهذه الصفة في قصيدته المتعلّقة بإعدام بابك الحزمي :
أخليت منه البذّ وهي قراره |
|
ونصبته علما بسامراء |
ويؤيّد ذلك الحفريّات التي شاهدناها في زماننا هذا من صنوف الأصنام. وكان الأمر كذلك إلى أن استولى عليها الإكاسرة فمدّنوا فيها المدائن والقصور الشاهقة