وكرّوا فيها الأنهار وغرسوا الأشجار حتّى كان يقال لها من كثرة الأشجار والأنهار أرض السواد ، فأصبحت سامرّاء من أحسن مدن العراق لطيب هوائها وعذوبة مائها وقلّة دائها واعتدال فصولها وكثرة أورادها ورياحينها ، ثمّ استولى عليها القياصرة في أيّام خسرو پرويز وغلبت الروم على الفرس فطردوا المجوس والوثنيّين من سامرّاء وزادوا فى قصورها وعماراتها كما ستعرف عند ذكر ديارات سامرّاء ، واكثروا فيها الصوامع والكنايس إلى أن ظهر الإسلام.
فلمّا أرسل سعد بن أبي وقّاص جيشا عليه عبد الله بن المعتم لفتح تكريت في سنة ست عشرة من الهجرة وافتتحها المسلمون ، افتتحوا سامرّاء أيضا لأنّ بينهما تسعة فراسخ فخاف النصارى على أنفسهم من المسلمين فجعلوا يتفرّقون فبقيت سامرّاء تتناقص على مرّ الزمان وكان آخر خرابها في أيّام فتنة الأمين والمأمون كما عرفت آنفا من كتاب التنبيه والأشراف للمسعودي ، فبقيت صحراء لا عمارة فيها سوى عدّة ديارات للنصارى.
قال الحموي في المعجم : فأراد السفّاح تمصير سامرّاء فبنى مدينة الأنبار بحذائها وأراد المنصور بعد ما أسّس بغداد بناءها وسمع في الرواية ببركة هذه المدينة فابتدأ بالبناء في البردان ثمّ بدا له وبنى بغداد. وأراد الرشيد أيضا بناءها فبنى بحذائها قصرا وهو بحذاء أثر عظيم للأكاسرة كان قديما ثمّ بناها المعتصم ونزلها في سنة إحدى وعشرين.