وظعنوا فليس لهم إياب ، هيهات هيهات. (كَلَّا إِنَّها كَلِمَةٌ هُوَ قائِلُها وَمِنْ وَرائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ،) فكأنكم قد صرتم إلى ما صاروا عليه من الوحدة والبلى في دار الموتى ، وارتهنتم في ذلك المضجع ، وضمكم ذلك المستودع ، فكيف بكم لو قد تناهت الأمور ، وبعثرت القبور ، وحصل ما في الصدور ، وأوقفتم للتحصيل بين يدي ملك جليل ، فطارت القلوب لإشفاقها (١) من سالف الذنوب ، وهتكت عنكم الحجب الأستار ، فظهرت منكم العيوب والأسرار ، هنالك تجزى كل نفس بما كسبت ؛ (لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَساؤُا بِما عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى) [النجم : ٣١]. (وَوُضِعَ الْكِتابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يا وَيْلَتَنا ما لِهذَا الْكِتابِ لا يُغادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصاها وَوَجَدُوا ما عَمِلُوا حاضِراً وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً) (٤٩) [الكهف : ٤٩]. جعلنا الله وإياكم عاملين بكتابه ، متبعين لأوليائه ؛ حتى يحلنا وإياكم دار المقامة من فضله ؛ إنه حميد مجيد. كذا في الكنز (٨ / ٢١٩) والمنتخب (٦ / ٣٢٤) وذكره ابن الجوزي في صفة الصفوة (١ / ١٢٤) بطولها ، وزاد في أوله : إن علي بن أبي طالب خطب فقال : الحمد لله ، أحمده ، وأستعينه ، وأؤمن به ، وأتوكل عليه ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله ، أرسله بالهدى ودين الحق ليزيح به علتكم ، وليوقظ به غفلتكم ، واعلموا أنكم ميتون ، ومبعوثون من بعد الموت ، وموقوفون على أعمالكم ومجزيون بها ، فلا تغرنكم الحياة الدنيا ـ فذكر نحوه.
أخرج أبو نعيم في الحلية (١ / ٧٧) عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده أن عليا شيع جنازة ، فلما وضعت في لحدها ، عجّ (٢) أهلها وبكوا ، فقال : ما تبكون؟ أما والله لو عاينوا ما عاين ميتهم ، لأذهلتهم معاينتهم عن ميتهم ، وإن له فيهم لعودة ثم عودة حتى لا يبقى منهم أحدا. ثم قام فقال : أوصيكم عباد الله بتقوى الله الذي ضرب لكم الأمثال ووقّت لكم الآجال وجعل لكم أسماعا تعي ما عنّاها وأبصارا لتجلو عن غشاها ، وأفئدة تفهم ما دهاها في تركيب صورها ، وما أعمرها ، فإن الله
__________________
(١) لخوفها.
(٢) رفعوا أصواتهم.