لم يخلقكم عبثا ، لم يضرب عنكم الذكر صفحا ، بل أكرمكم بالنعم السوابغ (١) ، وأرفدكم بأوفر الروافد (٢) ، وأحاط بكم الإحصاء ، وأرصد لكم الجزاء في السراء والضراء ، فاتقوا الله عباد الله ، وجدوا في الطلب ، وبادروا بالعمل ، فإنه : مقطع النهمات (٣) وهاذم اللذات ، فإن الدنيا لا يدوم نعيمها ، ولا تؤمن فجائعها ، غرور حائل (٤) ، وشبح فائل (٥). وسناد مائل ، يمضي مستطرفا (٦) ، ويردي مستردفا بإتعاب شهواتها وختل تراضعها. اتعظوا عباد الله بالعبر ، واعتبروا بالآيات والأثر ، وازدجروا بالنذر ، وانتفعوا بالمواعظ ؛ فكأن قد علقتكم مخالب المنية ، وضمكم بيت التراب ، ودهمتكم مفظعات الأمور بنفخة الصور ، وبعثرة القبور ، وسياقة المحشر ، وموقف الحساب بإحاطة قدرة الجبار ، كل نفس معها سائق يسوقها لمحشرها ، وشاهد يشهد عليها بعملها ، وأشرقت الأرض بنور ربها ، ووضع الكتاب ، وجيء بالنبيين والشهداء ، وقضي بينهم بالحق وهم لا يظلمون ، فارتجت لذلك اليوم البلاد ، ونادى المناد ، وكان يوم التلاق ، وكشف عن ساق ، وكسفت الشمس ، وحشرت الوحوش مكان مواطن الحشر ، وبدت الأسرار ، وهلكت الأشرار ، وارتجت الأفئدة ، فنزلت بأهل النار من الله سطوة مجيحة (٧) ، وعقوبة منيحة (٨) ، وبرزت الجحيم لها كلب (٩) ولجب (١٠) ، وقصيف (١١) رعد ، وتغيظ ووعيد ، تأجج جحيمها ، وغلى حميمها ، وتوقد سمومها فلا ينفس (١٢) خالدها ، ولا تنقطع حسراتها ، ولا يقصم
__________________
(١) الكثيرة ، الظاهرة منها والباطنة.
(٢) الروافد : العطايا.
(٣) الحاجات.
(٤) متحول ومتغير.
(٥) ضعيف.
(٦) طالبا جديدا.
(٧) مهلكة.
(٨) مزعجة مبكية.
(٩) شدة.
(١٠) التبعات والمحن.
(١١) صوت مزعج.
(١٢) يفرج.