الكذب ؛ فإن الكذب مجانب للإيمان ، ألا إن الصدق على شرف منجاة وكرامة ، وإن الكذب على شرف ردى وهلكة ، ألا وقولوا الحق تعرفوا به ، واعملوا به تكونوا من أهله ، وأدوا الأمانة إلى من ائتمنكم ، وصلوا أرحام من قطعكم ، وعودوا بالفضل على من حرمكم ، وإذا عاهدتم فأفوا ، وإذا حكمتم فاعدلوا ولا تفاخروا بالآباء ، ولا تنابزوا بالألقاب ، ولا تمازحوا ، ولا يغضب بعضكم بعضا ، وأعينوا الضعيف والمظلوم والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب ، وارحموا الأرملة واليتيم ، وأفشوا السلام ، وردوا التحية على أهلها بمثلها أو بأحسن منها ، (وَتَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى وَلا تَعاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ) [المائدة : ٢] وأكرموا الضعيف ، وأحسنوا إلى الجار ، وعودوا المرضى وشيعوا الجنازة ، وكونوا عباد الله إخوانا.
أما بعد : فإن الدنيا قد أدبرت وآذنت بوداع ، وإن الآخرة قد أظلت وأشرفت باطلاع ، والمضمار اليوم وغدا السباق ، وإن السبقة الجنة والغاية النار ، ألا وإنكم في أيام مهل من ورائها أجل يحثه عجل ، فمن أخلص لله عمله في أيام مهلته قبل حضور أجله فقد أحسن عمله ونال أمله ، ومن قصر عن ذلك فقد خسر عمله وخاب أمله وضره أمله ، فاعملوا في الرغبة والرهبة ، فإن نزلت بكم رغبة فاشكروا الله واجمعوا معها رهبة ، وإن نزلت بكم رهبة فاذكروا الله واجمعوا معها رغبة فإن الله قد تأذّن المسلمين بالحسنى ولمن شكر بالزيادة ، وإني لم أر مثل الجنة نام طالبها ، ولا كالنار نام هاربها ، ولا أكثر مكتسبا من شيء أكسبه ليوم تدخر فيه الذخائر ، وتبلى فيه السرائر ، وتجتمع فيه الكبائر ، وإنه من لا ينفعه الحق يضره الباطل ، ومن لا يستقم به الهدى يجر به الضلال ، ومن لا ينفعه اليقين يضره الشك ، ومن لا ينفعه حاضره فعازبه عنه أعور وغائبه عنه أعجز ، وإنكم قد أمرتم بالظعن ودللتم على الزاد ، ألا وإن أخوف ما أخاف عليكم اثنان : طول الأمل ، واتباع الهوى. فأما طول الأمل فينسي الآخرة ، وأما اتباع الهوى فيبعد عن الحق ، ألا وإن الدنيا قد ترحلت مدبرة ، وإن الآخرة قد ترحلت مقبلة ، ولهما بنون ؛ فكونوا من أبناء الآخرة إن استطعتم ولا تكونوا من بني الدنيا ، فإن اليوم عمل ولا حساب وغدا حساب ولا عمل. قال