وروى الواقدي من حديث سلمة امرأة أبي رافع قالت : كان أبو أيوب ـ حين نزل عنده النبي صلىاللهعليهوسلم ـ يستعذب له الماء من بئر مالك بن النضر والد أنس ، ثم كان أنس وهند وحارثة أبناء أسماء يحملون الماء إلى بيوت نسائه من بيوت السقيا ، وكان رباح الأسود عنده صلىاللهعليهوسلم يستقي له من بئر غرس مرة ومن بيوت السقيا مرة.
وتقدم في رابع فصول الباب الثاني ما رواه الترمذي وقال حسن صحيح عن علي بن أبي طالب قال : خرجنا مع رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، حتى إذا كنا بحرة السقيا التي كانت لسعد بن أبي وقاص ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : ائتوني بوضوء ، فتوضأ فقام ثم قام فاستقبل القبلة ، الحديث.
وتقدم أيضا حديث أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم «صلّى بأرض سعد بأرض الحرة عند بيوت السقيا ـ الحديث».
قلت : وبئر السقيا هذه هي التي ذكر المطري أنها في آخر منزلة النقاء على يسار السالك إلى بئر عليّ بالحرم ، قال : وهي بئر مليحة ، كبيرة ، متنورة في الجبل ، وقد تعطلت وخربت ، وعلى جانبها الشمالي ـ يعني من جهة المغرب ـ بناء مستطيل مجصص.
قلت : والظاهر أنه كان حوضا أو بركة لورود الحجاج ، كانوا ينزلون بها أيام عمارة المدينة ، ولهذا سمي المطري محلها منزلة النقاء ، وما سيأتي عنه في النقاء مصرّح بذلك ، وكان بعض فقراء العجم قد جدّدها وعمرها في سنة ثمان وسبعين وسبعمائة فصارت تعرف ببئر الأعجام ، كما رأيته بخط الزين المراغي.
قلت : وقد تهدمت وتشعّثت بعد ذلك ، فجددها الجناب الخواجكي البدري بدر الدين بن عليبة سنة ست وثمانين وثمانمائة ، تقبل الله منه وأثابه الجنة بمنه وكرمه.
وتقدم في بئر إهاب أن المطري تردّد في أن هذه السقيا لقربها من الطريق أم هي البئر المعروفة اليوم بزمزم ؛ لتواتر التبرك بها ، ثم قال : إن الظاهر أن السقيا هي الأولى.
قلت : وهو الصواب ؛ لزوال التردد بما منّ الله به من الظّفر بمسجد السقيا عندها ، كما تقدم فيه ، والظاهر أنها المرادة بقول الغزالي في آداب الزائر : وليغتسل من بئر الحرة ، انتهى ، وذلك لكونها على جادّة الطريق ، وكانت مجاورة لأول بيوت المدينة أيام عمارتها.
وقال أبو داود عقب روايته لحديث استعذاب الماء من بيوت السقيا : قال قتيبة : السقيا عين بينها وبين المدينة يومان.
قلت : وما ذكره صحيح كما سيأتي في ترجمتها ، إلا أنها ليست المرادة هنا ، وكأنه لم يطلع على أن بالمدينة بئرا تسمى بذلك ، وقد اغترّ به المجد فقال : السقيا قريبة جامعة من عمل الفرع ، ثم أورد حديث أبي داود ، وقول صاحب النهاية : السقيا منزل بين مكة والمدينة ، قيل : على يومين ، ومنه حديث «كان يستعذب له الماء من بيوت السقيا» ثم قال :