في مجلس ابن زياد ... وتوافدوا لتهنئته ولانتصاره في الحرب ، وكان المجلس غاصا بالناس ويضم بعض الصحابة والتابعين ... وكان ابن زياد ... قد جمع الناس ليظهر عظمة موقفه ، وقد وضع الرأس الشريف بين يديه ، ولعظيم سروره جعل ينكث ثنايا الحسين (عليه السلام) بمخصرته ويقول : كان جميلا.
ثم أمر مناديه بالصلاة جامعة ليصب جام غضبه أمام الناس ، فاجتمع الناس من كل مكان وازدحموا في المسجد الجامع ، وصعد ابن زياد وهو مملوء غيظا من قرنه إلى قدمه ، فقال : الحمد لله الذي أظهر الحق وأهله ونصر أمير المؤمنين يزيد بن معاوية وحزبه ، وقتل الكذاب بن الكذاب ... واستمر ابن زياد في هجماته وهو نشوان بخمرة الظفر ، وقد هيمن بأسلوبه على ذلك الجمع الغفير ، فما زاد على هذا شيئا حتّى نهض الرجل المقدام عبد الله بن عفيف ، وبعث بصرخة الحق المدوية ، ونادى بأعلى صوته الجهوري المنبعث عن قوة إيمان وعقيدة ، ورفع يده لجهة ابن زياد وقال : يا ابن مرجانة ، إنّما الكذاب وابن الكذاب أنت وأبوك ، ومن استعملك وأبوه ، يا ابن مرجانة يا عدوّ الله ورسوله أتقتلون أبناء النبيين وتتكلمون بكلام الصديقين بهذا الكلام على منابر المسلمين؟
فغضب عبيد الله بن زياد ، فصاح من هذا المتكلم؟ فقال : أنا المتكلم يا عدوّ الله. أتقتل الذرية الطاهرة التي أذهب الله عنهم الرجس كما جاء في كتابه ، وتزعم أنّك على دين الإسلام ، وا غوثاه أين أولاد المهاجرين والأنصار لينتقموا من هذا الطاغية ، اللعين بن اللعين على لسان رسول رب العالمين؟
فازداد غضب ابن زياد حتّى انتفخت أوداجه ، فقال : عليّ به ، فوثبت إليه الجلاوزة فأخذوه ، فنادى بشعار الأزد ، وكان شعارهم يا (مبرور) وكان عبد الرحمن بن مخنف الأزدي في الجامع فقال : ويح نفسك أهلكتها وأهلكت قومك. وكان حاضر الكوفة يومئذ من الأزد سبعمائة مقاتل فوثبت إليه فتية منهم فانتزعوه بالقوة وانطلقوا به إلى منزله.
ونزل ابن زياد من على المنبر مغضبا ودخل القصر ، واجتمع بأهل مشورته