الصّمت؟ وإذا كان الصمت أبلغ من الكلام في بعض المواقف المؤثرة حزنا أو فرحا ، فهل يصحّ أن يسمّى العجز عن الإبلاغ عمّا يعتمل في النفس بلاغة؟ ألا يحقّ لنا أن نسمّي الصمت آنئذ حسن تخلص ارتباطه بالبلاغة واه لأن في الصمت مساواة بين البليغ وغيره. فهل يجوز أن يستوي في عين البلاغة الأبكم والفصيح؟
١ ـ ٣ ـ ٢ ـ مفهوم (العتّابي ت ٢٢٠ ه) للبلاغة :
روى الجاحظ عن صديق له سأل العتّابي قائلا (١) : «ما البلاغة؟ قال : كلّ من أفهمك حاجته من غير إعادة ، ولا حبسة ، ولا استعانة فهو بليغ»
لقد اخترنا عمدا لفظ (مفهوم) لأننا رأينا أن العتّابي لم يعرّف البلاغة بقدر ما أعطى صفات البليغ. ألا يرى القارئ أن العتّابي سئل عن البلاغة فأجاب معرفا البليغ من المتكلّمين المبرّأ من العيّ والحبسة وفساد القول؟
ونترك للجاحظ نفسه شرح كلام العتّابي الذي جاء فيه (٢) : «والعتّابي حين زعم أن كل من أفهمك حاجته فهو بليغ لم يعن أن كل من أفهمنا من معاشر المولّدين والبلديين قصده ومعناه ، بالكلام الملحون ، والمعدول عن جهته ، والمصروف عن حقه ، أنه محكوم له بالبلاغة كيف كان بعد أن نكون قد فهمنا عنه» وكأن الجاحظ يقيّد الإفهام بالكلام الجاري على أنماط كلام الفصحاء من العرب.
__________________
(١). الجاحظ ، البيان والتبيين ١ / ١١٣.
(٢). الجاحظ ، البيان والتبيين ١ / ١٦١.