ويصبّ فيه كل واد ممتلئ بالماء تصطخب أمواجه فتجرّ كل شيء وتجتاح الركام من طمي ونبات. في هذه الحالة من الهيجان يدخل الخوف إلى قلب الملّاح فيبقى معتصما بمقدّمة السفنية وقد أدركه الخوف وأعياه الجهد. الفرات في حالة فيضانه هذه ليس أجود من النّعمان الذي لا يحول عطاء اليوم عنده دون عطاء الغد في حين يبقى فيضان الفرات موسميّا وعند ذوبان الثلج في المنبع. لقد استطرد الشاعر في وصف المشبّه به ثم استدار فنّيا ليجعل المشبّه أعلى رتبة من المشبّه به في حال كماله هذا.
وقد استخدم الشاعر الواسطة اللفظية وما ـ ... بأجود.
وقد سلك الأخطل طريق النابغة فتوكأ عليه في تشبيهه الاستطرادي هذا محدثا تعديلا طفيفا فيها عند ما قال (البسيط) :
وما الفرات ـ إذا جاشت غواربه |
|
في حافتيه وفي أوساطه العشر |
وزعزعته رياح الصّيف واضطربت |
|
فوق الجآجئ من آذيّة غدر |
مسحنفر من جبال الروم يستره |
|
منها أكافيف فيها دونه زور |
يوما ـ بأجود منه حين تسأله |
|
ولا بأجهر منه حين يجتهر |
وقد أفرط الأعشى في اعتماد هذا الضرب من التشبيه ، وربما كرّره في القصيدة الواحدة. ففي قصيدة مدح بها قيس بن معد يكرب عمد إليه مرّتين وعدّة أبياتها تسعة وستّون بيتا.
والتشبيه الأوّل مؤلّف من أربعة أبيات هي (المتقارب) :
ـ وما رائح روّحته الجنوب |
|
يروّي الزروع ويعلو الدّيارا |
ـ يكبّ السّفين لأذقانه |
|
ويصرع بالعبر أثلا وزارا |
ـ إذا رهب الموج نوتيّه |
|
يحطّ القلاع ويرخي الزيارا |