السيّن ، ولا الضاد ، ولا الذّال ، بتقديم ولا بتأخير. وهذا باب كبير. وقد يكتفى بذكر القليل حتى يستدلّ به على الغاية التي إليها يجرى».
ب ـ الغرابة :
اللفظ الغريب : هو الذي مات استعماله ، وغدا من الحوشي الذي يحتاج في التعرف إلى دلالته إلى المعجمات.
والحكم في قضية الغرابة الأدباء والشعراء لا العامة ، وإلا صار مجمل اللغة غريبا غير فصيح. قال أبو الطيب (الكامل) (١) :
جفخت وهم لا يجفخون بها بهم |
|
شيم على الحسب الأغرّ دلائل |
فالفعل جفخ يعني قاموسيا تكبّر وفخر وقد لجأ إليه المتنبي ليتحدّى أعداءه في البلاط. وإذا كان النقاد قد ذهبوا إلى أن اللجوء إلى الغريب عجز في صاحبه فمن السهل على المتنبي إحلال (فخرت) مكان (جفخت) و (يفخرون) محل (يجفخون) ليبتعد عن الغريب. ولهذا فإن الضرورة أو العجز لم يلجئاه إلى الغريب ، ولكن الرغبة في التمايز والانفراد هي التي دفعته إلى اختيار اللفظ الغريب. ولعل البيت مصاب بعيب آخر غير الغرابة. ألا يصح اتهام اللفظ نفسه (جفخت) بتنافر الحروف؟ ألا يتهم البيت أيضا بالتعقيد اللفظي المتمثل في تكرار الضمائر الموقع في صعوبة ردها إلى أصحابها (بها ، بهم). هذا التعقيد اللفظي أوقع في تعقيد معنوي حتى صار البيت بحاجة إلى شحذ الحس اللغوي ، وإعادة صياغته لنظم البيت وصولا إلى المعنى. والنظم المعنوي للبيت هو : جفخت بهم شيم على الحسب الأغرّ دلائل ، وهم لا يجفخون بها.
__________________
(١). ديوان المتنبي ، شرح العكبري ، ٣ / ٢٥٨.