إن الكلام على غرابة اللفظ حمل النقاد على الحديث عن التفاضل بين لفظ وآخر. ورأى الجرجاني أن الكلمتين المفردتين لا تتفاضلان (١) «من غير أن ينظر إلى مكان تقعان فيه ، من التأليف والنظم ، بأكثر من أن تكون هذه مألوفة مستعملة ، وتلك غريبة وحشيّة ، أو أن تكون حروف هذه أخف ، وامتزاجها أحسن».
وإذا كان الجرجاني قد فضل الكلمة المألوفة على الغريبة الوحشية ، والخفيفة على اللسان على الثقيلة عليه ، فإنه في الواقع قد أهمل الدوافع النفسية التي تحمل الشاعر على تفضيل الغريب مع قدرته على استخدام المألوف كتلك التي حملت المتنبي على تفضيل (جفخت) على (فخرت).
ولعل الجرجاني قد أدرك الخلل في نظرته هذه إلى التفاضل فقال : «فقد اتضح إذن اتضاحا لا يدع للشك مجالا أن الألفاظ لا تتفاضل من حيث هي ألفاظ مجردة ، ولا من حيث هي كلمة مفردة ، وأن الألفاظ تثبت لها الفضيلة وخلافها في ملاءمة معنى اللفظة لمعنى التي تليها ، أو ما أشبه ذلك مما لا تعلق له بصريح اللفظ».
وهكذا يرى الجرجاني أن الفصاحة والبلاغة ليستا في اللفظ المفرد إلا إذا انتظم في سياق. وهو محقّ في ذلك لأن الكلمة بمفردها مشروع معنى يحدّده ويقيّده السياق. وإذا كان الجرجاني قد ذهب إلى أن (٢) «الكلمة تروقك وتؤنسك في موضع ، ثم تراها بعينها تثقل عليك وتوحشك في موضع آخر» فإنني أذهب إلى أن (جفخت) فصيحة في سياقها على الرغم من تنافر حروفها وحوشيتها ؛ لأنها رصفت في سياق لا يليق به غيرها.
__________________
(١). دلائل الإعجاز ، الجرجاني ، ص ٣٦.
(٢). دلائل الإعجاز ، الجرجاني ، ص ٣٨.