كن أبا ذر :
وقد ظهر من قول رسول الله «صلىاللهعليهوآله» عن ذلك الذي جاء وحده إلى تبوك : «كن أبا ذر» : أن النبي «صلىاللهعليهوآله» قد فصل بين موقفه في تعامله المباشر مع الحالة العامة للناس ، ووضع الأسس الصحيحة لهذا التعامل ، وبين تعامل آخر ، صحيح وسليم أيضا ، وهو حقه في أن يعبر عما يحتفظ به من قناعات عن الأشخاص فيما يرتبط بملكاتهم وخصائصهم ، وطبيعة تكوينهم الروحي ، وسلوكهم الشخصي. فتوقع!! أن يكون ذلك القادم وحده من قلب الصحراء أبا ذر الذي عرف أخلاقه ، وما يحمله من مبادئ ، وطبيعة سلوكه ومواقفه ..
يموت وحده ، ويبعث وحده :
وكما كان إبراهيم أمة عابدا وخاضعا وقانتا لله ، فإن أبا ذر كان أمة قانتا لله وخاشعا له ، ويعيش الإستقلالية والغنى عن الإرتباط بأي شيء آخر سوى الله تعالى ، فهو يعيش وحده ، ويموت وحده ، ويبعث يوم القيامة وحده ، لم يجعل أي شيء في وجوده مرتهنا ولا مقيدا بأي شيء آخر.
ولا يعبد شيئا غير الله ، ولا يقيم وزنا لأي شيء سواه.
وهذه مرتبة جليلة لا يصل إليها إلا الصفوة من أهل التقوى ، الذين حرروا أنفسهم من أي ارتباط بما في هذه الحياة الدنيا ..
وما يؤكد ذلك ويوضحه : أن الروايات قد جاءت لتؤكد على غربة الدين وأهله عن هذه الدنيا وعن أهلها ، ليكون أبو ذر «رضوان الله عليه» مصداقا لقول النبي «صلىاللهعليهوآله» : «إن الإسلام بدأ غريبا ، وسيعود