وإنما يريد بكلامه هذا : أن يعذر نفسه ، ويحفظ ماء وجهه في تخلفه عن ذلك المشهد العظيم .. بل هو يحاول أن يفضل بيعة العقبة عليها ..
ونقول :
١ ـ إن عدم لوم الله لهم لا يعني أن ما فعلوه كان مقبولا ، فإن نفس عدم استجابتهم لدعوة رسول الله «صلىاللهعليهوآله» لهم للمسير معه خذلان عظيم. وعدم عتاب الله تعالى لهم إنما هو بفضل منه ، ورحمة.
٢ ـ إن الله تبارك وتعالى قد عاب على من تخلف عن بدر تخلفهم ، فقال : (كَما أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكارِهُونَ يُجادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَ ما تَبَيَّنَ كَأَنَّما يُساقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ) (١).
وفي هذا الكلام لوم وتقريع ظاهر ، فلما ذا يحاول كعب أن ينكره؟!
٣ ـ أما تفضيل بيعة العقبة على غزوة بدر فهو غير مسموع ، لأن الذين شهدوا العقبة ، قد أعطوا العهد والميثاق ، والتزموا بنصرة النبي «صلىاللهعليهوآله» ، وبايعوه على ذلك .. فمن وفى منهم فله أجره ومنزلته عند الله بوفائه ، لا بنفس بيعته. ومن قعد عن نصرته ، ونكث بعهده جوزي بفعله ..
وأما قبل حضور وقت النصر ، فإن للبيعة فضلها ، من حيث تضمنها لدرجة من الطمأنينة والتأييد.
أما الذين شهدوا بدرا ، فالذين جاهدوا منهم بأموالهم وأنفسهم واستشهدوا ، قد وفوا بعهدهم ، وعقدهم وبيعتهم ، ومن لم يستشهد فلا بد من الإنتظار إلى الأخير لنرى ما تكون نهايته ، وإلى ما يؤول إليه أمره ..
__________________
(١) الآيتان ٥ و ٦ من سورة الأنفال.