الحقيقي ، والمثل الأعلى ، والثمرة الفضلى التي يعنى الإسلام بالحفاظ عليها ، وتقديمها على أنها النموذج الفذ لصناعته الخلاقة ، والبالغة أعلى درجات النضج والكمال .. حتى إنه ليصبح مستعدا لتقديمها على أنها أعز وأغلى ما يمكن أن يقدمه في مقام التدليل على حقانيته وصدقه ، بعد أن فشلت سائر الأدلة والبراهين ـ رغم وضوحها ، وسطوع نورها ، وقاطعيتها لكل عذر ـ في التخفيف من عنت أولئك الحاقدين ، وصلفهم ، وصدودهم عن الحق الأبلج ..
فالنبي «صلىاللهعليهوآله» حينما يكون على استعداد للتضحية بنفسه ، وبهؤلاء ، الذين هم القمة في النضج الرسالي ، بالإضافة إلى أنهم أقرب الناس إلى الله ، وهم النموذج الأعلى للتربية الإلهية ، فإنه لا يمكن أن يكون كاذبا ـ والعياذ بالله ـ في دعواه.
كما لاحظه نفس رؤساء أولئك الذين جاؤوا ليباهلوه ، وذلك لأن محبة النفس ، ثم محبة الأقارب ، وإن كانت قد تجعل الإنسان على استعداد للتفريط بكل شيء ، قبل أن يفكر في التفريط بنفسه وبهم ، إلا أن الأنبياء لا يفكرون بهذه الطريقة ، وإنما يفكرون بما من شأنه حفظ الدين والرسالة ، وهم لا يبخلون عليها بمال ولا بنفس ولا بولد حتى لو كان هذا الولد يملك من المزايا والفضائل والكمالات ، ما لا يملكه أحد على وجه الأرض (١).
__________________
(١) ويرى المحقق العلامة الأحمدي «رحمهالله» : أن من الممكن أن يكون العباس قد اقتدى بالنبي «صلىاللهعليهوآله» ، حينما أخرج العباس الحسنين «عليهماالسلام» للإستسقاء ، ومنع عمر من الإلتحاق بهم ، وقال له : لا تخلط بنا غيرنا ـ وذلك في قضية تبرك عمر بهم في حادثة الإستسقاء. راجع : تبرك الصحابة والتابعين ص ٢٨٣ ـ ٢٨٧.