قال الحافظ : قد ذكرت وجها غير الذي ذكره ، ولعله أقعد.
ويؤيده قوله سبحانه وتعالى : (ما كانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللهِ وَلا يَرْغَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ لا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلا نَصَبٌ وَلا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللهِ وَلا يَطَؤُنَ مَوْطِئاً يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلا يَنالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلاً إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صالِحٌ إِنَّ اللهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ) (١).
وعند الشافعية : أن الجهاد كان فرض عين في زمنه «صلىاللهعليهوآله» ، فعلى هذا ، فيتوجه العتاب على كل من تخلف مطلقا (٢).
ونقول :
إن النبي «صلىاللهعليهوآله» قد ندب جميع الناس إلى الجهاد ، ولم يأذن لأحد بالتخلف ، فمن تخلف فقد عصى أمر رسول الله «صلىاللهعليهوآله» ، فيستحق العتاب والعقاب ..
وبذلك يتضح : أن المعيار هنا ليس هو أن الجهاد فرض عين أو فرض كفاية ، لكي يعود الأمر في تشخيص ذلك إلى المكلفين أنفسهم! بل المعيار هو أمر رسول الله «صلىاللهعليهوآله» ، فمعصية الرسول ، والتمرد عليه محرم في نفسه ، وطاعته فرض عين ، حتى لو كان الجهاد فرض كفاية ..
٢ ـ كما أنه لا محل للحديث عن أن ذلك يختص بالأنصار وحسب ، فإن بيعتهم إنما هي لتأكيد إلزامهم بالواجب ، تماما كما جرى في بيعة الغدير ، فإن
__________________
(١) الآية ٥١ من سورة المائدة.
(٢) سبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ٤٨٠ و ٤٨١ وفتح الباري ج ٨ ص ٩٣.