ونقول :
إننا لا نرتاب في عدم صحة هذه الرواية أيضا لما يلي :
أولا : إنه بغض النظر عما نراه ، فإن نفس هؤلاء يزعمون أن النبي «صلىاللهعليهوآله» قال : إن بيت المقدس هي أرض المحشر والمنشر ، فإن كان «صلىاللهعليهوآله» لم يأت بقوله هذا عن الله تعالى ، فما معنى قوله تعالى : (وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى)؟! (١) ، وإن كان ينطق عن الله ، فما معنى تصديقه اليهود في أمر قد أوحى الله إليه خلافه؟!
واحتمال أن يراد بالشام ما يشمل فلسطين بما فيها بيت المقدس لا مجال لقبوله ، فإن رواية ابن غنم المتقدمة قد أكدت أن غزو النبي «صلىاللهعليهوآله» لتبوك قد كان لأجل الوصول إلى الشام ، وإنما يقصد بها البلد المعروف .. لا ما يعم بيت المقدس .. فيقع التعارض بينها وبين ما دل على أن بيت المقدس هي أرض المحشر والمنشر ..
ثانيا : لماذا لم يعترض الناس على اليهود في زعمهم ، ولماذا لم يسألوا النبي «صلىاللهعليهوآله» عن سبب تصديقه اليهود في خبر يخالف ما جاءه عن الله تبارك وتعالى بل أطاع الناس كلهم ، ونفروا معه وتكبدوا المشاق والمتاعب ، وكانوا يبحثون عن سبب ـ ولو كان مثل الطحلب ـ ليتشبثوا به للإمتناع عن ذلك المسير؟!
إلا إذا فرض : أن أحدا ممن سمع من النبي «صلىاللهعليهوآله» ما أخبر به عن بيت المقدس لم يكن حاضرا حين جاء اليهود إلى النبي «صلى الله
__________________
(١) الآيتان ٣ و ٤ من سورة النجم.