وقد بدآ ظهور اللحن في عهد رسول الله صلىاللهعليهوسلم .. فقد رووا أن رجلا لحن بحضرته فقال لمن حوله : «أرشدوا أخاكم فقد ضلّ»
وكان معظم هذا اللحن على ألسنة الطارئين من الموالي والمتعربين كسلمان الفارسي الذي كان يرتضخ (١) لكنة فارسية ، وبلال مولى أبي بكر الذي كان يرتضخ لكنة حبشية ، وصهيب الذي كان يرتضخ لكنة رومية ..
كما حدث أن كاتب أبى موسى الأشعري كتب عنه كتابا إلى ابن الخطاب يقول فيه : «من أبو موسى الأشعري الخ ...» فلما قرأه عمر رضياللهعنه أرسل إلى أبى موسى : «أن قنّع كاتبك سوطا (٢)».
ومرّ عمر يوما على قوم يتعلمون رمي السّهام فلم يعجبه رميهم ـ فأنّبهم فقالوا له : «إنّا قوم متعلمين» ، فأفزعه ذلك وقال : «والله لخطؤكم في لسانكم أشدّ عليّ من خطئكم في رميكم!!».
ولكن هذا اللحن كان قليلا أيام الخلفاء الراشدين ـ ثم كثر فيما بعد واتّسعت دائرته بسبب مخالطة الأعاجم ، والإصهار إليهم ... واتساع الفتوح الإسلامية ...
ولكنه كان سبّة تحط من قدر العظيم حتى أواخر عهد الدولة الأموية ولقد أثر عن عبد الملك بن مروان قوله : «شيّبني ارتقاء المنابر وتوقّع اللحن» :
ولقد عدوا من اللحّانين : عبد الله بن زياد وكانت أمه فارسية ـ والوليد بن عبد الملك الذي أشفق عليه والده فلم يبعث به إلى البادية ليفصح لسانه ـ وتربّى في المصر ـ وتعلّم العربية بالصناعة ـ فدبّ اللحن إلى لغته وخالد بن عبد الله القسري وكانت أمه نصرانية ـ ومع ما أثر عنه من لحن فقد كان خطيبا مفوّها.
__________________
(١) يرتضخ لكنة ـ أي يستعمل لهجة.
(٢) قنّع أي اضرب.