(وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) وقوله تعالى في سورة (الأعراف / ٢٠٤) (وَإِذا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) فما أثر هذا الاستماع والإنصات إذا اقتصر على متابعة الأصوات المترددة مهما بلغ صاحبها من إتقانها وحسن إخراجها .. بل المراد الفهم والتدبّر وإعمال العقل والفكر ، ولا يتأتى هذا كلّه إلا بتعلم العربية بدرجاتها كلّها في سعي للوصول إلى درجة القرآن الكريم ومرتبته التي فاقت كلّ درجات فصحاء العرب وبلغائهم ، بدليل عجزهم عن محاكاته وتقليده حين تحدّاهم سبحانه ـ وهم أرباب البلاغة وفرسان البيان ـ بقوله تعالى في سورة (البقرة / ٢٣) (وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ) وقوله تعالى في سورة (يونس / ٣٨) (قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللهِ).
ولعل في كلام الله تعالى دعوة مباشرة إلى تعلم العربية لغة القرآن الكريم حيث يقول سبحانه في سورة (الرحمان) (الرَّحْمنُ ، عَلَّمَ الْقُرْآنَ ، خَلَقَ الْإِنْسانَ ، عَلَّمَهُ الْبَيانَ) فتعليم القرآن لا يقصد منه الحفظ لأصواته وألفاظه فحسب ، بل المقصود فهمه وتدبّره والعمل به. وقوله تعالى في سورة (النمل / ٩٢) (وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ* وَأَنْ أَتْلُوَا الْقُرْآنَ).
فقد ربط تعالى بين إسلام المرء وتلاوته للقرآن ، والتلاوة كما أسلفنا ليست تطبيقا لقواعد التجويد فحسب ، بل إنها مقرونة بفهم تام لمدلولات حروفه وألفاظه وعباراته ، وأسرار ذلك من تقديم وتأخير ، وحذف وذكر ، ورفع ونصب وجر ، وما يترتب على كل حال منها من المعاني ، ليكون التدبّر تاما والتفكر صحيحا .. مما يؤدي إلى خشوع القلب ، وعبرة العين ، وتمكّن