رأيت ، وك رأيت.
فإذا كان المفعولان اللّذان تعدّى إليهما فعل الفاعل مخاطبا وغائبا ، فبدأت بالمخاطب قبل الغائب ، فإنّ علامة الغائب العلامة التي لا يقع موقعها إيّا ، وذلك قولك : أعطيتكه وأعطاكه ، وقال عزوجل : (فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوها وَأَنْتُمْ لَها كارِهُونَ)(١) ؛ فهذا كذا إذا بدأت بالمخاطب قبل الغائب.
وإنّما كان المخاطب أولى بأن يبدأ به من قبل أنّ المخاطب أقرب إلى المتكلّم من الغائب ، فكما كان المتكلم أولى بأن يبدأ بنفسه كان المخاطب الذي هو أقرب من الغائب أولى بأن يبدأ به.
فإن بدأت بالغائب فقلت : أعطاهوك فهو في القبح ، وأنه لا يجوز ، بمنزلة الغائب والمخاطب إذا بدئ بهما قبل المتكلّم ، ولكنك إذا بدأت بالغائب قلت : أعطاه إيّاك.
وأمّا قول النّحويين : أعطاهوك وأعطاهوني ، فإنما هو شيء قاسوه لم يتكلم به العرب ، فوضعوا الحروف غير مواضعها ، وكان قياس هذا لو تكلّم به هيّنا.
ويدخل على من قال هذا أن يقول إذا منحته نفسه : منحتنيني. ألا ترى أنّ القياس قد قبح إذا وضعت (ني) في غير موضعها ، فإذا ذكرت مفعولين كلاهما غائب قلت : أعطاهوها وأعطاهاه جاز ، وهو عربيّ. ولا عليك بأيّهما بدأت ، من قبل أنهما كلاهما غائب.
وهذا أيضا ليس بالكثير في كلامهم ؛ والأكثر في كلامهم : أعطاه إيّاه. على أنّ الشاعر قد قال :
وقد جعلت نفسي تطيب لضغمة |
|
لضغمهما ها يقرع العظم نابها (٢) |
ولم تستحكم علامات الإضمار هاهنا ، كما لم تستحكم في : عجبت من ضربي إيّاك ، ولا في : كان إيّاه ، وليس إيّاه.
وتقول : حسبتك إيّاه ، وحسبتني إيّاه ؛ لأنّ حسبتنيه وحسبتكه قليل في كلامهم ؛
__________________
(١) سورة هود ، من الآية ٢٨.
(٢) البيت منسوب لمغلس بن لقيط ، الخزانة ٥ / ٣٠١ ، ٣٠٣ ؛ ابن يعيش ٣ / ١٠٥ ؛ والكتاب ٢ / ٣٦٥ ؛ واللسان (ضغم ـ جعل).