يخفض لأوشك أن ترى ذلك في الشعر ؛ لأنّ الشعر الذي يأتي بالمستجاز. قال : وإنما دعاهم إلى أن يقولوا : لولاك في موضع الرفع ؛ لأنهم يجدون المكني يستوي لفظه في الخفض والنصب فيقال : ضربتك ، ومررت بك ، ويجدونه يستوي أيضا في الرفع والخفض والنصب ، فيقال : ضربنا ، ومرّ بنا ، فيكون النصب والخفض بنون ، ثم يقال : قمنا ، وفعلنا ، فيكون الرفع بالنون. فلما كان ذلك استجازوا أن تكون الكاف في موضع (أنت) رفعا ، وكان إعراب المكني بالدّلالات لا بالحركات.
فإن قال قائل : حروف الخفض هي صلات للأفعال ، فإذا جعلتم لو لا خافضة للياء والكاف ففي صلة أي شيء تجعلونها؟
قيل له : قد تكون حروف الجر في موضع مبتدإ ، ولا تكون في صلة شيء كقولك : بحسبك زيد ، ومعناه : حسبك زيد ، وقولك : هل من أحد عندك؟ وإنما هو : هل أحد عندك ؛ فموضعها رفع بالابتداء ، وإن كانت قد عملت الجرّ. وكذلك لو لا إذا عملت الجرّ صارت بمنزلة الباء في : بحسبك ، ومن في : هل من أحد ، وتكون لولاك ولولاي بأسرها بمنزلة بحسبك ، ومن أحد. ونظير هذا ما روي من خفض (لعل) لما بعدها ؛ فإذا خفضت ما بعدها كانت هي وما بعدها بمنزلة اسم مبتدأ وما بعدها خبر ، وفيما قرأنا على أبي بكر بن دريد ، أو أنشدناه :
وداع دعايا من يجيب إلى النّدى |
|
فلم يستجبه عند ذاك مجيب |
فقلت ادع أخرى وارفع الصوت دعوة |
|
لعل أبي المغوار منك قريب (١) |
وأما عساك ، وعساني ففيه ثلاثة أقاويل :
أحدها : قول سيبويه وهو أنّ عسى حرف بمنزلة لعلّ ينصب ما بعدها الاسم ، والخبر مرفوع في التقدير وإن كان محذوفا. كما أنّ علّك في قولك : علّك أو عساك خبره محذوف مرفوع ، والكاف اسمها ، وهي منصوبة. واستدلّ على نصب الكاف في عساك بقول عمران : عساني ، والنون والياء فيما آخره ألف لا تكون إلا للنّصب.
والقول الثاني : قول الأخفش أنّ الكاف والنّون والياء في موضع رفع ، وحجّته : أنّ لفظ النّصب استعير للرفع في هذا الموضع كما استعير له لفظ الجرّ في : لولاي ، ولولاك.
والقول الثالث : قول أبي العبّاس المبرّد : أنّ الكاف والنّون والياء في عساك ، وعساني
__________________
(١) البيت في ديوانه ، الخزانة ١٠ / ٤٢٦ ، ٤٢٨ ؛ لسان العرب وتاج العروس (جوب).