الياء في منى قبل كسرة النون.
قال أبو سعيد : والذي عندي أنّهم أدخلوا الضمة والكسرة والفتحة أولا كما يدخلونها في أيّ وفي المعربات ، وتتبعها الحروف لما ذكرته لك من العلّة في ذلك ، أمّا منتين فإنّهم أسكنوا النّون لأنّهم بنوها مع التّاء كما قالوا : هنت وبنت وأخت.
وأمّا ما قاسه يونس من إعراب منه في الوصل والنصب والجرّ وإجرائها مجرى أيّة وتثنية من وجمعه في الوصل للبيت الذي أنشده ، فإن أبا إسحاق الزجاج قال في البيت : كأنه وقف على منون وسكت عندها ثم ابتدأ ، وقد نسبوا هذ الشعر إلى سمير بن الحارث ، ومنهم من يرويه : عموا صباحا ، ومنهم من يرويه : عموا ظلاما ، وأنشد بعده بيتا آخر وهو :
فقلت إلى الطّعام فقال منهم |
|
زعيم نحسد الإنس الطّعاما (١) |
واستبعد سيبويه ما حكاه ، وهو لعمري بعيد جدّا ؛ لأن قوله : ضرب من منا استفهام عن الضارب وعن المضروب بلفظين من ألفاظ الاستفهام ، وقد قدّم الفعل على الاستفهامين جميعا ، والاسم المستفهم به يتضمن حرف الاستفهام ولا يكون إلا صدرا ، ولو رددناهما إلى ما تضمّناه من حرف الاستفهام لصار تقديره : ضرب أزيد أعمرا ، وهذا باطل مضمحلّ. ومن وأيّ لا تجمعان ولا تثنّيان إلا في الاستفهام على النحو الذي ذكرناه فيهما دون المجازاة ومعنى الذي ؛ لأنّ الأصل فيهما الاستفهام ، وهما في الاستفهام أكثر منهما في غير الاستفهام ؛ ولأنهما في الاستفهام قد يقومان مقام زيد في التّمام والاكتفاء من غير صلة ، كقولك : من زيد ، وأيّ زيد ، كما تقول : أخوك زيد ، والذاهب زيد ، ولو كانا في غير الاستفهام لاحتجت إلى زيادة على لفظ من وأيّ ، إمّا صلة إذا كانتا بمعنى الذي ، وإمّا شرط إذا كانتا للمجازاة ، والذي يثنّي (أيّ) ويجمعه ويؤنثه في الوقف يثنيه ويجمعه ويؤنثه في الوصل ، ولا يفصل بينهما كما فصل بين تثنية من وجمعه وتأنيثه في الوقف والوصل ؛ لتمكّن أيّ وإعرابه. وإنما قال : من ومنا ومنه ؛ لأن العلامة إنما تلحق في الذي يقف عليه ، والأول لا تلحقه علامة ؛ لأنّه وصل بالثاني ، وتقدير منا في هذا الباب كتقدير أيّا في الباب المتقدم ؛ يجوز أن يكون في موضع مبتدإ ، أو خبر مبتدإ ، ويجوز أن يكون المنصوب منه بفعل مقدّر بعده كأنه قال : أيّ رجل ضربت؟ ومن ضربت؟
__________________
(١) البيت ورد منسوبا لسمير بن الحارث ، في الخزانة ٦ / ١٧٠ ، ٧ / ١٠٥ ؛ ابن يعيش ٤ / ١٧ ؛ والكتاب ٢ / ٤١١.