بعض العرب : دعنا من تمرتان ، على الحكاية لقوله : ما عنده تمرتان. وسمعت عربيا يقول لرجل سأله فقال : أليس قرشيّا؟ فقال : ليس بقرشيا ، حكاية لقوله. فجاز هذا في الاسم الذي يكون غالبا على هذا الوجه ، ولا يجوز في غير الاسم الغالب كما جاز فيه ، وذلك أنّه الأكثر في كلامهم ، وهو العلم الأوّل الذي به يتعارفون. وإنما يحتاج إلى الصفة إذا خاف الالتباس من الأسماء الغالبة. وإنّما حكى مبادرة للمسؤول ، وتوكيدا عليه أنّه ليس يسأله عن غير هذا الذي تكلّم به.
وإذا قال : رأيت أخا زيد لم يجز : من أخا زيد؟ إلا على قول من قال : دعنا من تمرتان ، وليس بقرشيا ، والوجه الرفع لأنه ليس باسم غالب.
وقال يونس : إذا قال رجل : رأيت زيدا وعمرا ، أو زيدا وأخاه ، أو زيدا أخا عمرو ، فالرفع يردّه إلى القياس والأصل إذا جاوز الواحد ، كما يردّ ما زيد إلا منطلق إلى الأصل. وأمّا ناس فإنّهم قاسوه فقالوا : تقول : من أخو زيد وعمرو ، ومن عمرا وأخا زيد ؛ يتبع الكلام بعضه بعضا ، وهذا حسن.
فإذا قالوا من عمرا؟ ومن أخو زيد؟ ؛ رفعوا أخا زيد ؛ لأنه قد انقطع الأول من الثاني الذي مع الأخ ، فكأنك قلت : من أخو زيد؟ كما أنك تقول : تبّا له ، وويلا له ، وتبّ له ، وويل له.
وسألت يونس عن : رأيت زيد بن عمرو فقال : أقول من زيد بن عمرو؟ ؛ لأنّ أصل هذا أجري كالواحد ، ومن نوّن زيدا جعل (ابن) صفة منفصلة ورفع في قول يونس. فإذا قال : رأيت زيدا فقلت : أيّ زيد؟ فليس إلا الرفع ، تجريه على القياس. وإنما جازت الحكاية في من لأنّهم ل (من) أكثر استعمالا ، وهم يغيّرون الأكثر في كلامهم عن حال نظائره. وإن أدخلت الواو والفاء في من فقلت : ومن أو فمن ، لم يكن فيما بعده إلا الرفع).
قال أبو سعيد : مسائل الباب وتفريعها على قول أهل الحجاز ؛ لأنّ بني تميم على منهاج القياس في غير هذا الباب ، ولا خلاف بينهم أنّ مستفهما لو ابتدأ الاستفهام على غير كلام سمعه لقال : من زيد؟ ومن مبتدأ وزيد خبره ، أو زيد مبتدأ ومن خبره ، وإذا قال قائل : رأيت زيدا فقيل له : من زيد؟ فهو كالسؤال له في الابتداء ؛ من مبتدأ وزيد خبره ، أو زيد مبتدأ ومن خبره ، فهذا القياس. ويدلّ على ذلك أيضا أنّهم لا يختلفون أنّه إذا قال : رأيت زيدا قلت : أيّ زيد؟ فأيّ كمن ، وأيّ زيد : مبتدأ وخبر.