الشمس) لجئنا (حتى) الناصبة في موضع (حتى) التي يرتفع الفعل بعدها ، فهذه حيلولة ما بين (حتى) وبين (تطلع) وإنما خالفوا بين (أدخلها) وبين (حتى) المعدومة كما تقول : حلت بين زيد وبين الأكل ، وحلت بينه وبين الغسل إذا منعته من فعلهما فهما معدومان ؛ وأما بيت امرئ القيس ، فلو رفع (بكل) لجاز ، ولكنه نصب ليريك جواز عطف (حتى) على (حتى) ، وهما مختلفان في النصب والرفع ، لأن الأولى قد نصبت (بكل) ، والثانية بعدها مبتدأ وخبر ، فلو وقع موقع المبتدإ فعل لكان مرفوعا. وقد فرع أصحابنا مسائل في باب (حتى) رأيت ذكرها متصلا بهذا الباب.
تقول : سرت حتى مطلع الشمس ، وسرت حتى الظهر ، ومنه قول الله ـ عزوجل ـ (سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ)(١) ولا يجوز أن تقول : سرت حتى الشام ، ولا سرت حتى مكانك ، إلا أن تذكر الأمكنة قبلها ، والجملة التي بعد (حتى) جزء منها ، فتكون كالغايات بعد (حتى) ، وذلك قولك : دخلت المدن حتى الشام ، وسرت على الجسور حتى جسر بغداد ، ولا يحتاج في الأزمنة إلى ذلك ، لأن الأزمنة تحدث على ترتيب ، وشبهت بالأفعال ، و (حتى) تقع على الأفعال كلها ، فصار قولك : قف حتى تطلع الشمس ، وحتى طلوع الشمس بمنزلة ، وكذلك المصادر كلها : قف حتى مجيء زيد ، وحتى قيام الأمير. ولو قلت : أخذت من الدار حتى أقصاها ، لم يجز ، لأنك لم تذكر ما أقصاها جزء منه ، ولو قلت : أخذت الدار حتى أقصاها جاز ؛ ولو قلت : أقمنا حتى اليوم ، وحتى الليلة ، وحتى العشية ، وحتى الغداة ، والساعة ، والعام حسن.
ولو قلت : أقمنا حتى الشهر ، وحتى السنة ، واليومين ، والليلتين ، والشهور ، والأشهر لم يجز ، فإن نعته بما يزيل عنه الإبهام جاز ، كقولك : أقمنا حتى الشهر المستطاب ؛ وإنما جاز هذا فيما أجزناه فيه لأنه وقت مخصوص لا إبهام فيه ، وذلك أنهم يقولون : أنا اليوم خارج ، وأنا اليوم صائم ، وأنا الليلة عندك ، وأنا العام حاج ، فيعلم ما اتفقوا عليه واعتادوه ، أنه يراد اليوم الذي هو فيه ، والعام الذي هو فيه ؛ ولا يقولون : أنا الشهر خارج ، وهم يريدون الشهر الذي هم فيه.
وإذا قلت : أنا اليومين صائم ، لم يعلم به يومان بأعيانهما حتى تزيد فيه ما يزيل الإبهام مثل : أنا اليومين المتصلين باليوم صائم ، فقس على ذلك إن شاء الله تعالى.
__________________
(١) سورة القدر ، الآية : ٥.