صلة (الذي).
قال أبو سعيد : الناصب بعد (الواو) أن ، كما أن الناصب بعد (الفاء) أن ، ومعناهما مختلف ، كما أن معاني ما بعد الفاء مختلفة ، وإن كان الناصب فيها كلها واحدا ، ومعنى (الواو) في كل أحوال نصبها : الجمع ؛ فإذا قلت :
لا تنه عن خلق وتأتي مثله
فمعناه : لا تجمع بين نهيك عن الشيء ، وبين إتيانك إياه ، وتقديره :
لا يجتمع نهيك عنه وإتيانك إياه ، كأنه قال : لا يكن نهي ، عنه وإتيان إياه ، وأن تأتيه ، وحذف أن في (الواو) كحذفها في (الفاء) ؛ ولو حملت (تأتي) على (تنه) فقلت : لا تنه عن خلق وتأت مثله ـ مجزوما ـ لاستحال ، لأنك إذا قلت : لا تضرب زيدا وتكرم عمرا ، فقد نهيته عن ضرب زيد على حدة وإكرام عمرو على حدة ، وكل واحد منهما غير معلق بالآخر وكأنه قال : لا تضرب زيدا ، ولا تكرم عمرا.
فلو قال : لا تنه عن خلق وتأت مثله ، لكان معناه : لا تنه عن خلق ولا تأت مثله ، ولو قال هذا لكان قد نهاه أن ينهى عن شئ ونهاه أن يأتي شيئا من الأشياء ، هذا محال فرد الأول والثاني في التقدير إلى غير ظاهر الكلام ليدل على أنه يريد لا تجمع بينهما.
وذكر أبو علي عسل بن ذكوان قال : أخبرنا أبو عثمان قال : سمعت الأصمعي يقول : لم أسمعه إلا و (تأتي) بياء مرفوع على القطع.
قال أبو سعيد : ولا يصح هذا إلا بأن تكون (الواو) في معنى الحال ، كأنه قال : لا تنه عن خلق وأنت تأتي مثله ، أي : وهذه حالك ، وهذا في معنى النصب صحيح.
ولو قلت : لا تنه عن خلق فتأتي مثله لأفسدت المعنى ، لأنك إذا قلت : لا تضرب زيدا فيشتمك ، فمعناه : متى ضربته شتمك ؛ فلو قلت : فتأتي مثله ، صار معناه : متى نهيت عن خلق أتيت مثله ، وهذا غير المقصود ؛ وليس مذهب (الواو) في الجواب كمذهب (الفاء) ، مذهب (الواو) : لا يجتمعن هذا وذاك ؛ ومذهب (الفاء) على اختلافه يخالف مذهب (الواو).
ومنع سيبويه جزم الثاني في قولك : لا تأكل السمك وتشرب اللبن ، لأن المقصود في كلام الناس والمعتاد ألا يجمع بينهما للضرر الذي يعتقد في الجمع بينهما. ولو أراد مريد أن ينهى عن أكل السمك على كل حال ، وعن شرب اللبن على كل حال لقال : لا تأكل السمك وتشرب اللبن؟ وقول الحطيئة :