هذا الموضع بالواو ، ولا بثمّ. ألا ترى أن الرجل يقول : افعل كذا وكذا ، فتقول :
فإذن يكون كذا وكذا ، ويقول : لم أغث أمس ، فتقول : قد أتاك الغوث اليوم ؛ ولو أدخلت (الواو) و (ثمّ) في هذا الموضع تريد الجواب لم يجز.
وسألت الخليل عن قول الله ـ عزوجل ـ : (وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذا هُمْ يَقْنَطُونَ)(١) فقال هذا كلام معلق بالكلام الأول ، كما كانت (الفاء) معلّقة بالكلام الأول ، وهذا هاهنا في موضع (قنطوا) كما كان الجواب بالفاء في موضع الفعل قال : ونظير ذلك قول الله ـ عزوجل ـ : (سَواءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صامِتُونَ)(٢) بمنزلة (أم صمتّم) ؛ ومما يجعلها بمنزلة (الفاء) أنها لا تجيء مبتدأة ، كما أن (الفاء) لا تجيء مبتدأة.
وزعم الخليل أن إدخال (الفاء) على (إذا) قبيح ، ولو كان إدخال (الفاء) على (إذا) حسنا ، لكان الكلام بغير (الفاء) قبيحا ؛ فهذا قد استغنى عن (الفاء) كما استغنت (الفاء) عن غيرها ، فصارت (إذا) هاهنا جوابا ، كما صارت (الفاء) جوابا.
وسألته عن قوله : إن تأتني أنا كريم ، فقال : لا يكون هذا إلا أن يضطّر شاعر ، من قبل أنّ (أنا كريم) يكون كلا ما مبتدأ ، و (الفاء) و (إذا) لا يكونان إلا معلقتين بما قبلهما ، فكرهوا أن يكون هذا جوابا كما صارت (الفاء) جوابا حيث لم يشبه (الفاء) ؛ وقد قال الشاعر مضطرا ، يشبّهه بما يتكلم به من الفعل قال :
من يفعل الحسنات الله يشكرها |
|
والشرّ بالشرّ عند الله مثلان (٣) |
وقال الأسدي :
بني ثعل لا تنكعوا العنز شربها |
|
بني ثعل من ينكع العنز ظالم (٤) |
وزعم أنه لا يحسن في الكلام : إن تأتني لأفعلن من قبل أن (لأفعلن) تجيء مبتدأة. ألا ترى أن الرجل يقول : لأفعلن كذا وكذا فلو قلت : " إن أتيتني لأكرمنك ، ولئن لم تأتني لأغمّنّك" جاز ؛ لأنه في معنى : لئن أتيتني لأكرمنك ، ولئن لم تأتني لأغمنك ، ولا بدّ من هذه (اللام) مضمرة أو مظهرة لأنها لليمين ، كأنك قلت : والله لئن
__________________
(١) سورة الروم ، الآية : ٣٦.
(٢) سورة الأعراف ، الآية : ١٩٣.
(٣) البيت ورد منسوبا إلى حسان بن ثابت كما نسب لآخرين ، الكتاب ٣ / ٦٥ ، ١١٤.
(٤) البيت في ديوانه ، الكتاب ٣ / ٦٥.