ولا يكون الآخر إلا رفعا ، لأنّ (أن) لا يجازى بها ، وإنما هي مع الفعل اسم ، فكأنه قال : لأن يضلّ الناس يهدي ضلالهم. وهكذا أنشد الفرزدق.
قال أبو سعيد : إذا أقسمت على المجازاة ، فالقسم إنما يقع على الجواب ، لأن جواب المجازاة هو إخبار ووعد يقع فيه التصديق والتكذيب والوفاء والإخلاف ، ألا ترى أنك لو قلت :
إن جاء زيد أعطاه عمرو دينارا ، لم يقع لك بمجيء زيد ولا بتأخره تصديق ولا تكذيب ، وإنما يقع لك التصديق والتكذيب بإعطاء عمرو زيدا دينارا ومنعه إياه بعد مجيئه ، والقسم إنما يؤكد الإخبار ، وما ليس بخبر لا يقع عليه القسم ، ألا ترى أنك لا تقول والله هل خرج زيد ، ولا والله قم يا زيد ، ولا والله لا يتكلّم يا عمرو ، ولأن الاستفهام والأمر والنهي بإخبار ، فلما كان القسم معتمدا به الجواب ، بطل الجزم فيه ، فصار لفظه كلفظه لو كان في غير مجازاة ، فتقول : والله إن أتيتني لا أفعل ، كأنك قلت : والله لا أفعل إن أتيتني ، وصار الشرط معلقا على جواب اليمين ، كما يعلق عليه الظرف إذا قلت : والله لا أفعل يوم الجمعة. ويقول والله إن أتيتني آتيك ، على معنى لا آتيك ، لأن جواب اليمين ، لا يجوز إسقاط لامه إذا كان جحدا قال الله ـ عزوجل ـ : (قالُوا تَاللهِ تَفْتَؤُا تَذْكُرُ يُوسُفَ)(١) على معنى تالله لا تفتأ تذكر ، وو الله أؤذيك على معنى والله لا أؤذيك ، وإنما جاز إسقاط (لا) منه ، لأنه لا يشكل بالإيجاب ، لأن الإيجاب يحتاج إلى لام ونون ، كقولك : والله لا آتينّك ، وو الله لأخرجنّ.
ولا يجوز إسقاط واحدة من اللام والنون ، فإذا أسقطوا (لا) من الجحد ، علم أنه جحد بسقوط واللام والنون منه ، ويدخلون اللام أيضا على الشرط ، لأنه أول ما يلقى اليمين ، كقولك : والله لئن أتيتني لأكرمنّك ، فإدخالها في الثاني واجب لازم ، لأنه مقصود بالقسم ، وإدخالها في الأول ؛ لأنه صدر الكلام ، والشرط والجواب هما في الأصل جملتان متباينتان ربطهما حرف المجازاة فصارتا كشيء واحد ، فمن أدخل اللام في الأول فلأنهما كجملة واحدة صدرها الشرط ، ثم تعيد في جواب اليمين الحرف الذي يوجبه اليمين ، ومن لم يدخل اللام في الأول اكتفى بدخول علامة جواب اليمين في الموضع الذي هو حقه ، وإن جزمت الشرط فقلت : والله لئن تأتني لا أفعل لم يحسن ، لأن الشرط لا يجزم إذا لم يكن بعده جواب له ، وقولك : لا أفعل هو جواب القسم ، وليس بجواب له ، وقد يسقط
__________________
(١) سورة يوسف ، الآية : ٨٥.