تحدثني ، كأنه قال : إن يكن منك أن تأتيني فتحدثني ، وقبح هذا كقبح : أنت تأتيني فتحدثني ؛ والوجه : أنت تأتيني فتحدثني على ترك المتناول البعيد من غير حاجة إليه ، وتأويل النصب أنت يكون منك إتيان فحديث كما قال :
وألحق بالحجاز فاستريحا (١)
فإذا أدخلت لا حسن النصب ، وصار فيه تأويل : ما تأتيني محدثا ، كأنه قال : ما تأتني إلا لم تحدثني ، والذي حسّن النصب فيه حرف النفي ، وذلك قوله :
ومن لا يقدّم رجله مطمئنة |
|
... فيثبتها ... (٢) |
نصب (فيثبتها) ، كما ينصب لا تأتينا فتحدثنا ، بمعنى لا تأتينا إلا لم تحدثنا ، ومثله : ومن لا يقدم إلا لم يثبت زلق ، وإذا قلت : إن تأتني فأحدّثك ، فلا يجوز بعد الفاء إلا الرفع ، لأن الشرط في الأصل جملة مبناها على فعل وفاعل ، والجواب جملة أخرى ثانية مبناها على مبتدإ وخبر ، وفعل وفاعل ، وإنما ربط إحداهما بالأخرى.
(إن) ولا حاجة إلى الفاء إذا كانت جملة الجواب فعلا وفاعلا ، ثم أدخلت الفاء ليليها الاسم لما احتيج إلى الجواب بالابتداء والخبر ، ثم جعل مكان الاسم الفعل ، فارتفع لوقوعه موقع الاسم ، وليس الجواب بالفاء المرفوع مثل ما انتصب بين المجزومين ، الذي تقديره تقدير مصدر معطوف على مصدر فعل الشرط ، كما قدّر بقولنا إن يكن إتيان فحديث أحدثك ، فالحديث متصل بالأول شريك له معطوف عليه ؛ ولو قلت : إن يكن إتيان فحديث ، وسكت واكتفيت صار قولك. فحديث هو الجواب ، وليس بمعطوف على شيء ، بل يقدّر بعد الفاء مبتدأ وخبر مبتدأ ، كأنك قلت : إن يكن إتيان فعندي حديث ، أو فأمري حديث ، كما تقول : إن تأتني فمكرم مخبوّ ، أي فأنت ، وكما قيل : " المرء مقتول بما قتل به إن خنجرا فخنجرا" (٣) ، وقد مضى نحوه.
وإذا عطفت فعلا على الجواب المجزوم ، فلك فيه ثلاثة أوجه :
الجزم والرفع والنصب ، فالجزم والرفع جيدان مختاران ، والنصب دونهما ، تقول : إن
__________________
(١) عجز بيت سبق تخريجه.
(٢) البيت ورد منسوبا لكعب بن زهير ، في الكتاب ٣ / ٨٩ ؛ المقتضب ٢ / ٢٣ ؛ ٦٧.
(٣) هذا جزء من حديث نبوي تمامه : " المرء مقتول بما قتل به ، إن سيفا فسيف ، وإن خنجرا فخنجر" وقيل إنه أثر من آثار العرب. انظر شرح التسهيل لابن مالك ١ / ٣٦٤ ، وشواهد التصحيح والتوضيح ٧١ ، شرح قطرالندى وبل الصدى لابن هشام ١٩٢.