ـ بالكسر ـ فهو كلام قائم بنفسه ، وليس بمنزلة اسم ، وكذلك إن المكسورة ، ومثله قول الله ـ عزوجل ـ : (فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْناهُمْ)(١) و (إنّا) على الوجهين اللذين ذكرناهما ، وفي قراءة عبد الله ((آمنوا)) مكان ((تؤمنون بالله)).
واختلفوا في جزم (يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ) [الصف : ١٢] فقال الفراء : إنها جزمت بهل في قراءتنا ، وفي قراءة عبد الله بن مسعود للأمر الظاهر ، وتأويل (هَلْ أَدُلُّكُمْ)(٢) في المعنى أمر أيضا ، كقولك : هل أنت ساكت ، معناه : اسكت. والله أعلم.
فهذا كلام الفراء ، وقال أبو إسحاق الزجاج : ((يغفر لكم)) جواب (تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَتُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوالِكُمْ)(٣) ، أي إن فعلتم ذلك ، فالدليل على ذلك قراءة عبد الله بن مسعود ((آمنوا)) ورد على من قال هو جواب (هل) وغلطه ، قال : لأنه ليس إذا دلهم صلىاللهعليهوسلم تسليما على ما ينفعهم غفر الله تبارك اسمه لهم ، إنما يغفر لهم إذا آمنوا وجاهدوا فإنما هو جواب تؤمنون بالله وتجاهدون ، إن تفعلوا ذلك يغفر لكم.
قال أبو سعيد : والأقوى عندي أنه جواب (لهل) لأن تؤمنون تفسير للتجارة ، وهي جملة ما وقعت عليه (هل) ، فالاعتماد في الجواب على هل ، وهل في معنى الأمر لأنه لم يكن القصد عن استفهامهم عن الدلالة على التجارة المنجية ، هل يدلّون عليها ، أو لا يدلّون ، وإنما المراد الأمر لهم ، والحث على ما ينجيهم ، وقد يكون بلفظ الخبر ما يراد به الأمر أو الدعاء ، ولو أتى له بجواب ما كان إلا مجزوما كقول الله ـ عزوجل ـ : (وَالْوالِداتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ)(٤) تثب مرضعة الحولين الجنة ، وكذلك غفر الله لزيد ينج من النار وكذلك إذا كان الأمر بلفظ الاستفهام ، فقوله أتيتنا أمس نعطك اليوم ، أي إن كنت أتيتنا أمس أعطيناك اليوم ، إذا أراد أن إعطاءنا إياك اليوم بسبب مجيئك أمس ، لأنا لو جعلناه شرطا لصح أن تقول : إن كنت جئت أمس أعطيتك اليوم ، وإنما يجوز هذا في (كنت) خاصة ، وقد ذكر في موضعه ، ولو قلت : إن جئت أمس أعطيتك اليوم لم يجز ، فاضمر بعد الاستفهام من الشرط ما يصح أن يكون الجواب له مجزوما ، ولو أراد بقوله أتيتنا أمس التقدير لم يجز الجزم لأنه لا يقدر فيه أن ، وقوله (ألا تنتهي عنا
__________________
(١) سورة النمل ، الآية : ٥١.
(٢) سورة القصص ، الآية : ١٢.
(٣) سورة الصف ، الآية : ١١.
(٤) سورة البقرة ، الآية : ٢٣٣.