تُفْلِحُونَ)(١) وإنما صار كذلك لأن لعل فيها طمع ، والذي يفعل الفعل ملتمسا لكون الشيء ، فإنما يطمع في ذلك الملتمس ويرجوه ، والمعاني إذا تقاربت اشتركت كثيرا في الألفاظ ، ومنها :
أن يكون (ما) (من) (كما) و (ما) بعدها من الفعل بمنزلة المصدر ، كقولك أزورك كما تزورني ، وائتني كما آتيك ، وكما تدين تدان ، وكما يفعلون أفعل ، أي أزورك كزيارتك إياي ، وائتني كإتياني إياك ، فإن قال قائل : إن كان المصدر الذي بعد الكاف من فعل ماض ، فينبغي أن تقول أزورك كما زرتني ، وإن كان من فعل مستقبل ، فكيف يشبهه بما لم يكن قيل له ، أما الفعل إذا كان ماضيا ، فالوجه فيه أزورك كما زرتني ، وائتني كما أتيتك ، وإن كان مستقبلا فتقديره أتيني كإتياني إياك إن أتيتني ، وكذلك لا تشتم الناس كما لم تشتم في معنى المصدر ، وتقديره : اترك شتمهم كتركهم شتمك إن تركت شتمهم ، والوجه الثالث : أن يكون (كما) وقتا كقولك : ادخل كما يسلم الإمام أي في ذلك الوقت ، وانصرف كما يجلس الوزير ، أي في وقت جلوسه والوجه الرابع : فيما ذكر بعض النحويين أن (كما) تقييد للتشبيه حسب ، ولا ينضم (ما) إلى الذي عنده ، ولا يختلط به ، كما يقال : أنا عندك كما أنت عندي ، قال الله عزوجل : (يا مُوسَى اجْعَلْ لَنا إِلهاً كَما لَهُمْ آلِهَةٌ)(٢) فكما بجملتها مفيدة التشبيه ، وعلى هذا يجعل (ربما) بجملتها بمعنى (رب) غير أنها لا تخفض ، وحكى الكوفيون النصب ب (ما) بمعنى (كما) وحذف الباء منها ، وإن كانوا غير دافعين للدفع بعدها ، ولم يحك البصريون ذلك ، وقد وافقهم على ذلك أبو العباس المبرد ، واستحسن قولي الكوفيين والبصريين ، ولم يحتج في ذلك بشيء إلا ببيت احتج به الكوفيون وهو قوله :
وطرفك إمّا جئتنا فاصرفنّه |
|
كما يحسبوا أنّ الهوى حيث تصرف (٣) |
قال أبو سعيد هذا البيت وما بعده مما احتج به الكوفيون للنصب ب (ما) فتأول ، أو مروي على غير روايتهم مما لا يكون لهم حجة ، أما هذا البيت فغيرهم يرويه :
... فاصرفنه |
|
لكي يحسبوا أن الهوى حيث تصرف |
وقد احتجوا بقول رؤبة :
__________________
(١) سورة الحج ، الآية : ٧٧.
(٢) سورة الأعراف ، الآية : ١٣٨.
(٣) البيت ورد منسوبا لعمر بن أبي ربيعة في ديوانه ٥٣.