يتكلمون على تفسير كتابه وإذا كانا مضافين فإنهما يكونان خبرين كقولك : زيد قبلك وعمرو بعدك. وإذا لم يخبر بهما لنقصانهما عن حالهما مضافين. وهما في حال الإضافة غير متمكنين فإذا منعتا الأصالة ازدادتا بعدا عن التمكن ، فمنعتا بذلك أن يكونا خبرين. وقد مثل سيبويه : (أما يوم الجمعة فأنك ذاهب) بتمثيل نفسه في اللفظ إذا حمل على ظاهره فقال : لأن فيها معنى يوم الجمعة مهما يكن من شيء" فأنك ذاهب" وتقديم" يوم الجمعة" لا يجوز في" مهما" ومعناه : أنه مثّل" أما"" بمهما" ثم قدم في" مهما" ما تقدمه في" أما" من الظرف الذي يصبح له خبر" أن" على وجه يبين المعنى فيه لا على تصحيح اللفظ ، وأما (لا جَرَمَ أَنَّ لَهُمُ النَّارَ)(١) فإن الخليل وسيبويه ومن تبعهما من البصريين يجعلون" جرم" فعلا ماضيا. ويجعلون" لا" داخله عليه فمنهم من يجعلها جوابا لما قبلها ومثله : " يقول الرجل كذا وكذا ، وفعلوا كذا وكذا فتقول : لا جرم أنهم سيندمون.
ويبين عند الخليل : أنه رد على أهل الكفر فيما قدروه من اندفاع مضرة الكفر وعقوبته عنهم يوم القيامة. واختلفوا في معنى" جرم" إذا كان فعلا.
قال سيبويه : معناه حق أن لهم النار. واستدل على ذلك بقول المفسرين معناه" حقا أن لهم النار" ويقول الشاعر :
جرمت فزازة بعدها أنّ يغضبوا
أي حقهم للغضب. وتبعه على ذلك من تبعه.
وقال غيره : " جرم" بمعنى" كسب" واستدل على ذلك بقول الله عزوجل : (لا يَجْرِمَنَّكُمْ شِقاقِي أَنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلُ ما أَصابَ قَوْمَ نُوحٍ)(٢) يقول عزوجل : (وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ أَنْ تَعْتَدُوا)(٣) أي : لا يكسبكم ذلك. ويقول الشاعر : (٤)
جريمة ناهض في رأس نيق |
|
ترى لعظام ما جمعت صليبا |
__________________
(١) سورة النحل ، الآية : ٦٢.
(٢) سورة هود ، الآية : ٨٩.
(٣) سورة المائدة ، الآية : ٢.
(٤) هو أبو خراش الهذلي واسمه خويلد بن مرة.
والبيت في ديوان الهذليين : / ١٣٣ ، الاقتضاب : ٣١٧ ، شرح المفضليات ٧٧٧. والبيت من الوافر.