يكون مذموما مقصرا في غيره ، فلذلك صار المنصوب به على التمييز ؛ لأنه يقتضي الجنس الذي يذكره ويعلم المعنى الذي مدح به ، وهو يشبه باب (نعم راجلا وبئس غلاما).
ولو قال قائل : ويح زيد ولله دره وحسبك به ، لم يجر بأي شيء مدحه وكان مبهما وصار بمنزلة قولك : عندي عشرون بغير تفسير ، فإذا فسرته صار بمنزلة عشرين غلاما ، وإنما أدخلت (من) في هذا الباب ؛ لأنه قد يجوز حمل المنصوب فيه على الحال إذا قلت حسبك به فارسا ، وحسبك به معينا ، وتنصبه على الحال كما تقول احسبني زيد فارسا ، وكفاني معينا ، أي في هذه الحال فأدخلوا (من) ليعلم أنها تزاد للدلالة على الجنس المستحق به المدح دون الحال ، وكذلك يجوز دخول (من) في كل ما كان من المقادير يكون المنصوب فيه هو الأول وكقولك : لي مثله رجلا ، ولي ملؤه عسلا ؛ لأنه قد يجوز أن يقع فيه ما يذهب به مذهب الحال ، كقولك لي مثل زيد أخا وصديقا ، فيكون دخول (من) لتحقيق باب التفسير وقد ذكرت (من) في كائن (وكم) مثلها.
وقال أبو العباس محمد بن يزيد : دخول من في (كائن) و (كم) و (كذا كذا) من درهم لما منعته هذه الحروف من التمكن ، فعوضت هذا كما عوضت أن يعمل فيما فصل بينه وبينها. نحو : كم في الدار ـ رجلا ـ.
وأما راقود من خلّ وموضع كفّ من سحاب ، فإن ذلك جنس يستوي تعريفه وتنكيره ، وجمعه وواحده ، ألا ترى أنه يستوي في المعنى المفهوم عنك أن تقول : اصطنعت بالخل وبخلّ ، وشربت ماء وشربت الماء. وأما (عشرون) وما جرى مجراها من المقادير المعلومة ، فإذا دخلت (من) بعدها وقع على الجنس والجمع الذي يكون المميز تقول : عندي عشرون من الدراهم ، وخمسون من الثياب ، ولو قلت : عشرون من درهم ، وخمسون من ثوب لم يجز.
ومن الفرق بين : عشرين وما جرى مجراها من الأعداد المعلومة وبين كم وكأيّ وكذا وكذا ونحو ذلك ، أن العشرين قد عرف مقدارها ، وإنما تدخل (من) على النوع الذي (العشرون بعضه) فتحتاج أن تكون أكثر من العشرين في اللفظ.
(وكم) مبهم ، يجوز أن يكون جوابها واحدا ، كقولك : كم غلاما عندك؟ فيقول المجيب : غلام أو غلامان. إلا أنه يجوز أن تقول : عندي عشرون من درهم ودينار ومن غلام وجارية على غير التمييز ، ولكن على قولك : من بين درهم ودينار ، وليس ذلك بمنزلة ما أخلصته لجنس ، ولكن يقع كما يقع في غير التمييز ، كقولك : الناس من بين